بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – لم تكد تمضي خمسة أيام على القمة الأميركية – الروسية في جنيف، وبينما كانت الطائرة التي تقل السفير الروسي أناتولي أنطونوف عائداً إلى واشنطن، كثمرة من ثمار القمة، حتى أعلنت الولايات المتحدة، أنها تُعد لائحة عقوبات جديدة بحق موسكو على خلفية سجن المعارض الروسي أليكسي نافالني.
لم يثر ذلك استغراباً لدى الكرملين، الذي يدرك أن اللقاء الأول بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن، لن يكون كفيلاً بجعل أميركا تكف عن سياسة العقوبات، سلاحاً في سياستها الخارجية، وأن واشنطن ستبقي العقوبات سيفاً مسلطاً على روسيا.
ويجب عدم نسيان أن الكونغرس المتشدد بديموقراطيه وجمهورييه – ما عدا قلة طبعاً – يعارض أي تنازل من الرئيس في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا. وهناك مشرعون من الحزبين اعتبروا أنه بمجرد انعقاد قمة جنيف، فإن بوتين حصل على مكافأة لا يستحقها من البيت الأبيض. وهؤلاء يشيطنون روسيا ويدعون إلى مواصلة الضغط عليها بشتى الوسائل.
وعندما يبادر بايدن إلى المصادقة على عقوبات على روسيا قبل الانتهاء من قراءة الإعلان المشترك الصادر عن قمة جنيف، يمكن الاستنتاج بوضوح أن الرئيس الأميركي يسعى إلى إقامة توازن في العلاقات مع الكرملين. فالمراد من القمة كان تحقيق “الاستقرار الاستراتيجي” وضمان عدم نشوب حرب نووية بأي حال بين أقوى دولتين نوويتين على الكوكب، وذلك بعد التدهور المريع الذي شهدته العلاقات بين الجانبين وبلوغها أسوأ مراحلها.
أما في الوقائع فالأمر مختلف. يريد بايدن أن يقول للكونغرس إنه لم يقدم تنازلاً جوهرياً لروسيا، والدليل هو العقوبات الجديدة، فضلاً عن إعداد عقوبات على شركات روسية عملت في تشييد خط أنابيب الغاز الطبيعي إلى ألمانيا، بعدما كان عدل في آخر لحظة عن العقوبات على الشركات الألمانية التي ساعدت في إنجاز الخط، من قبيل استرضاء المستشارة أنجيلا ميركل في لحظة تنقية العلاقات عبر الأطلسي. لكن لا شيء يمنع فرض العقوبات على الشركات الروسية، استرضاءً لأصوات علت في الكونغرس معترضة على قرار الرئيس إعفاء ألمانيا من العقوبات.
وذهب بايدن خطوة أخرى في استرضاء الكونغرس، بفرض عقوبات جديدة بالتنسيق مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي على بيلاروسيا، بسبب اعتراض طائرة ركاب تابعة لشركة “رايان إير” الليتوانية وإرغامها على الهبوط في مينسك، من أجل اعتقال صحافي بيلاروسي معارض كان على متنها. وبيلاروسيا اليوم، هي أقرب حليف لروسيا. ولا يخفى أن رسالة العقوبات على بيلاروسيا مزدوجة الهدف.
في قمة جنيف، طلب بايدن من بوتين تسهيل إدخال مساعدات إلى مناطق المعارضة السورية، من أكثر من معبر، عندما يحين موعد التجديد لقرار مجلس الأمن في هذا الشأن في 11 تموز (يوليو) المقبل. لكن بوتين لم يعطِ جواباً قاطعاً بالتعاون، في وقت من المعروف أن لموسكو موقفاً يدعو إلى ضرورة أن لا تقتصر المساعدات على مناطق المعارضة، في حين أن سوريا لا تزال صاحبة السيادة على أراضيها.
ومعلوم أن الكونغرس يلح على إدارة بايدن كي تمرر مساعدات الأمم المتحدة إلى مناطق المعارضة السورية، من خلال أكثر من معبر مع تركيا والعراق والأردن. إلا أن روسيا ومعها الصين تقفان موقفاً موحداً حيال المسألة. وتستغربان كيف ستوافقان على تدفق المساعدات إلى مناطق المعارضة بينما مناطق النظام تتضور جوعاً.
وكلما اقتربت الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، كان بايدن أقرب إلى مواقف خارجية تراعي السياسة الداخلية، كي لا يستغل الجمهوريون ذلك للتصويب على الديمقراطيين في الحملات الانتخابية.
عند هذا الاعتبار، قد تبقى قمة جنيف مجرد محاولة لوقف مزيد من التردي في العلاقات بين واشنطن وموسكو، أكثر مما ستكون لها انعكاسات على الأزمات الدولية.