بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم – ملفات عدة ناقشها مؤتمر “برلين 2″، والذي تستضيفه العاصمة الألمانية، الأربعاء، حول مستقبل الأوضاع في ليبيا، وذلك بعد ما يقرب من عام ونصف من المؤتمر الأول، أهمها خروج المرتزقة من الأراضي الليبية، وانعقاد الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل، بالإضافة إلى ملف إعادة الإعمار حيث اختلفت الأمور بشكل كبير، بعدما نجحت طرابلس في تشكيل مجلس رئاسي جديد، وحكومة وحدة وطنية، يحظيان بقدر كبير من التوافق سواء في الداخل أو الخارج، وهو ما بدا واضحا في الدعم الكبير لهما سواء من دول الجوار أو من المجتمع الدولي، ناهيك عن حالة الاستقرار النسبي التي بات يشهدها الداخل الليبي مقارنة بالوضع السابق.
ولعل الدور المصري في التطور الكبير الذي تشهده ليبيا في الأشهر الماضية لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، خاصة بعد الموقف القوي، والواضح، سواء في مؤتمر برلين الأول، والذي انعقد في يناير 2020، عندما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث في دولة الجوار، أو بعد ذلك عندما رسمت القاهرة خطها الأحمر في سرت والجفرة، والذي نجح في وضع حدا للصراع، وبالتالي كانت النتيجة المباشرة هي التوافق حول الحكومة الجديدة، والسير على الطريق الصحيح نحو الاستقرار السياسى من خلال عقد انتخابات مقرر لها شهر ديسمبر المقبل.
إلا أنه بعيدا عن حالة الاستقرار الأمني، وما تخلله من استقرار سياسي، تبقى هناك بعض التهديدات التي مازالت قائمة في المشهد الليبي في المرحلة الراهنة، وأهمها وجود المرتزقة، والميليشيات المسلحة، والمدعومة من قوى إقليمية طامعة في ثروات البلاد ومقدراتها، وهو الأمر الذي يمثل أولوية جديدة، تحملها مصر على عاتقها، في مؤتمر “برلين 2″، وذلك بالتزامن مع دعم التنمية في الدولة التي عانت من الفوضى لسنوات طويلة، منذ اندلاع ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وهو ما أدى إلى حالة من الخراب والدمار التي يرثى لها.
ويعد التزامن بين المسارين الأمني والتنموي، هو بمثابة استراتيجية مصرية، بدأتها في الداخل، خلال حربها على الإرهاب، والتي تزامنت مع مشروعات عملاقة، تهدف إلى تحقيق قفزة اقتصادية، من شأنها تعويض ما فات من تراجع، خلال سنوات الفوضى، ثم اتخذت نفس النهج، في أعقاب التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، حيث تحركت الإدارة المصرية نحو تحقيق وقف إطلاق النار، حقنا لدماء الفلسطينيين، تزامنا مع مبادرتها لإعادة إعمار القطاع، والتي أعلنها الرئيس السيسي، عبر تقديم 500 مليون دولار لتحقيق هذا الهدف.
وتنطلق الفلسفة التي تتبناها مصر في هذا الإطار على الارتباط الوثيق بين محور الأمن والتنمية، فغياب التنمية والتراجع الاقتصادي هو بمثابة التربة الخصبة التي تنمو عليها الأفكار المتطرفة، والإرهاب، وفي المقابل فإن غياب الأمن من شأنه نسف كل ثمار النمو الاقتصادي، وبالتالي فتبقى الحاجة ملحة إلى السير على المسارين بالتوازي، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية، جنبا إلى جنب مع دحض الميليشيات المتطرفة.
وهنا تصبح المحاور التي يقوم عليها مؤتمر “برلين 2” حول ليبيا هو بمثابة استنساخ للرؤية المصرية، التي نجحت باقتدار في فرض رؤيتها على العالم في المؤتمر الأول، عبر إقناع العالم كله بخطورة الميليشيات وتداعياتها، ليس فقط على الداخل الليبي أو دول الجوار، وإنما أيضا على العالم بأسره، وهو ما يتجلى في الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العديد من دول الغرب الأوروبي، ناهيك على أزمة اللاجئين، التي تحمل تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة في قلب أوروبا الغربية، وساهمت بجلاء في صعود تيارات اليمين المتطرف، الذي تمكن باقتدار من استغلال الأزمة لتحقيق الكثير من المكاسب السياسية في السنوات الماضية.