بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – العنوان الأبرز للدورة الأولى من الانتخابات المحلية الفرنسية هو «المقاطعة» التي سجلت رقماً تاريخياً بلغ نحو 68 في المئة في مختلف الأقاليم، وخيبة الأمل الصادمة إزاء النظام السياسي القائم، وما حمله ذلك من انتكاسة، خلافاً للتوقعات، للحزبين الأكثر تنافساً، وهما «الجمهورية إلى الأمام» بزعامة ايمانويل ماكرون، والحزب اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان.
لم تشهد فرنسا، منذ سنوات طويلة، مثل هذا العزوف عن المشاركة في الانتخابات، خاصة لدى الشباب، ما دفع الكثير من المحللين إلى الحديث عن غياب الشهية لدى الفرنسيين، وإن كان البعض يعزو ذلك إلى الظروف الصحية الناجمة عن جائحة «كورونا»، وغياب التحضير الجيد من جانب الحكومة لإجراء الانتخابات، إلا أن الظروف والإجراءات الصحية يرزح تحتها الجميع، وبالتالي لا بد أن تكون هنالك أسباب أخرى أدت إلى تراجع اليمين المتطرف وحزب ماكرون، وعودة القوى التقليدية (حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي) إلى التقدم بعد غياب لافت في الانتخابات السابقة، فضلاً عن أن هذه الانتخابات قد تحمل معها مؤشرات خريطة طريق للانتخابات الرئاسية المقبلة في غضون أقل من عام.
مشهد الدورة الأولى لهذه الانتخابات انجلى عن عودة الحضور القوي لليمين واليسار التقليديين، بينما وجّه لكمة لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي يحقق صعوداً منذ سنوات طويلة، لكنه لم ينجح في إيجاد معاقل انتخابية له، رغم أن استطلاعات الرأي توقعت أن يتصدر النتائج في العديد من المناطق. والمنطقة الوحيدة التي تصدّر فيها مرشح اليمين المتطرف نتائج الانتخابات هي إقليم «بروفانس ألب كوت دازور»، بفارق ضئيل عن منافسه مرشح يمين الوسط (34.8 مقابل 33.6)، ما يعني أن الفوز لا يزال غير مؤكد فيها، خاصة أن مرشح اليسار الذي حل ثالثاً في تلك المنطقة انسحب لمصلحة مرشح يمين الوسط (الجمهوريين)، ولكن إذا تأكدت نتيجة الانتخابات في الدورة الثانية الأسبوع المقبل، فإنها ستبعث، من دون شك، برسالة قوية مفادها أنه لا يمكن استبعاد اليمين المتطرف من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وإجمالاً، فإن خريطة توزيع القوى، على مستوى البلاد، التي ظهرت وفق استطلاعات الرأي قبل إجراء الدورة الثانية، جاءت على النحو التالي: 27.2 في المئة للجمهوريين (يمين الوسط) بفارق كبير عن اليمين المتطرف الذي حصل على 19.3 في المئة، ثم حزب الخضر، ثم الحزب الاشتراكي، ثم حزب ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) الذي حصل على 11.2 في المئة.
وبطبيعة الحال، يمكن لهذه النتائج أن تتغير مع نهاية الدورة الثانية الأسبوع المقبل، خصوصاً في ظل الصفقات والمفاوضات وراء الكواليس لإبرام تحالفات انتخابية، لكن محصلة هذه الانتخابات برمتها ستكون اختباراً تمهيدياً للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإن كان البعض لا يرى رابطاً قوياً بين الحالتين، حيث لكل منهما حساباته وتحالفاته وظروفه المختلفة. غير أن هذه الانتخابات ربما تكون اختباراً أكثر جدية لليمين المتطرف، ولمؤهلات لوبان وقدرتها على المنافسة الرئاسية، في ظل تراجع اليمين الشعبوي على مستوى القارة الأوروبية، وخسارة حليفه السابق ممثلا في«الترامبية» بالولايات المتحدة.