الرئيسية / مقالات رأي / هل يتمّ ترحيل الاتّفاق النّووي إلى حكومة إبراهيم رئيسي؟

هل يتمّ ترحيل الاتّفاق النّووي إلى حكومة إبراهيم رئيسي؟

بقلم: علي حمادة – النهار العربي

الشرق اليوم – هل سيؤثر انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيساً للجمهورية في إيران على مسار مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي؟
هذا السؤال مطروح اليوم في ضوء تربع مرشح المرشد الأعلى والدولة العميقة على رأس السلطة التنفيذية في إيران، بعد انتخابات أقل ما يمكن القول فيها إنها تميزت بسيطرة تامة من جانب المرشد والدولة العميقة (تحالف رجال الدين والعسكر) على مسارها منذ ما قبل انطلاق عملية الاقتراع، حيث تمت تهيئة كل مقومات تأمين نجاح إبراهيم رئيسي، إلى حد استبعاد أي عنصر يمكن أن يعقّد فوزه، ويعرقل حسم العملية من الدورة الأولى للانتخابات.
والسؤال مطروح أكثر على قاعدة أن إبراهيم رئيسي، يمثل أولاً وقبل أي شيء آخر توجهاً لمزيد من التصلب في النظام، ومحاولة لحسم الثنائيات في السلطة، وإزالة كل الهوامش التي كانت متاحة (ومضبوطة) أمام تيارات من داخل النظام. فإبراهيم رئيسي وصل إلى منصب الرئاسة بنتيجة متواضعة، حيث لم تتجاوز نسبة الذين اقترعوا لمصلحته 30 في المائة من مجموع الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية، كل ذلك وسط غياب لأي منافسة جدية، ولأي إمكانية في تحدي قرار المرشد والدولة العميقة سوى من خلال الامتناع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وقد شكلت نسبة التصويت 48 في المائة، في حين أن نسبة الأصوات الملغاة بلغت أكثر من ثلاثة ملايين.
كل ما تقدم يهدف الى القول إن انتخاب إبراهيم رئيسي كشخص ليس حدثاً، بل إن معنى انتخابه الضعيف هو الحدث، ومعنى إيصال رجل من طينة رئيسي إلى أعلى الهرم في السلطة التنفيذية هو الأساس. فلا خلاف في أوساط الدبلوماسيين والمراقبين المتابعين للشأن الإيراني في أن القرار كان وسيبقى بيد المرشد الأعلى علي خامنئي والدولة العميقة. كان الأمر هكذا في كل المراحل، لكن مع فارق مهم، أن أسلوب تنفيذ قرارات المرشد، وترجمة سياساته العامة وإرشاداته، كان يتضمن هوامش انتفت مع انتخاب رئيسي. ولعل أبرز الهوامش التي نتحدث عنها هنا تتعلق بالسياسة الخارجية، سبق أن عبّر عنها وزير الخارجية في حكومة الرئيس حسن روحاني، محمد جواد ظريف في التسجيل الصوتي الذي جرى تسريبه قبل ثلاثة أشهر، وتحدث فيه عن التناقض بين الميدان (العسكر بتأييد من المرشد) والدبلوماسية في العديد من الملفات، وكانت الشخصية المركزية التي عكست هذا التناقض هي قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني الذي كان في كثير من الأحيان يقفز فوق الاعتبارات الدبلوماسية التي كانت الوزارة تعمل بموجبها. مع إبراهيم رئيسي سيرتفع منسوب “التجانس” تحت عباءة المرشد الأعلى الى أقصى الدرجات، ولن تعود ثمة شقوق في جدار النظام، يمكن التعويل عليها من الخارج.
بالنسبة إلى الاتفاق النووي، ومفاوضات فيينا التي انتهت جولتها السادسة قبل يومين، لتعود الوفود إلى العواصم للتشاور، ولا سيما أن الوفد الإيراني صار في حاجة إلى تشاور على مستوى آخر، مع التوقع في أن يتم إحداث تغيير في الطاقم المفاوض مباشرة بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة. أما التوقعات التي ترجح أن يتم الانتهاء من التفاوض، والتوقيع على اتفاقية العودة إلى الاتفاق النووي قبل أن ترحل حكومة روحاني فتبقى احتمالاً ضعيفاً، وخصوصاً أن القرار هو بيد المرشد الأعلى، وهو يحتاج لأن يمنح حكومة رئيسي الجديدة إنجازاً، من خلال التوقيع على الاتفاق الذي سيكون بنده الأهم بالنسبة إلى طهران هو رفع العقوبات التي تشكل ضغطاً هائلاً على الاقتصاد الإيراني. هذا الإنجاز تحتاجه حكومة رئيسي، كما تحتاج إلى إنجازات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، اللذين يعانيان كثيراً.
في هذا الإطار، يعتبر الأميركيون أن القرار هو بيد المرشد لا الرئيس. فحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، فإن “الولايات المتحدة تنتظر الآن بفارغ الصبر التقدم في محادثات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي”. وتعتبر أن: “صانع القرار هو مرشد النظام الإيراني، وبالتالي ليس من الواضح أن شيئاً قد تغير بالفعل في رأيه”. أما مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، فيقول في مقابلة قبل يومين على محطة آي بي سي الأميركية: “إن القرار النهائي بشأن الاتفاق النووي سيتخذه المرشد الإيراني، والرئيس الجديد ليس هو صانع القرار”. ويضيف: “إن البيت الأبيض ينتظر ليرى ما إذا كان المفاوضون الإيرانيون سيعودون إلى طاولة المفاوضات، ويكونون مستعدين لقبول شروطنا للعودة الى الاتفاق النووي”.
في المقابل، وفي أول مؤتمر صحافي له، قال الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي: “إن حكومتي لن تسمح للمفاوضات بأن تكون استنزافية”. هذه في حد ذاتها قد تكون إشارة إلى احتمال أن تبقى الأمور معلقة إلى أن يتسلم رئيسي مهامه، ويشكل الحكومة، ثم يعود إلى طاولة المفاوضات! فهو يتحدث عن حكومته وموقفها إزاء المفاوضات. بمعنى أنه يشير ضمناً إلى أن حكومته هي التي ستضطلع بالعملية التفاوضية بدلاً من حكومة الرئيس الحالي حسن روحاني. وخلاصة الأمر أن مفاوضات فيينا يمكن أن تراوح مكانها إلى شهر آب (أغسطس) المقبل، قبل أن يجلس مفاوضو حكومة رئيسي إلى الطاولة لاستكمالها. هكذا سيبقى الملف مفتوحاً على مصراعيه، في الوقت الذي تعتبر فيه الدول المعنية بالمفاوضات مثل الولايات المتحدة أن الوقت يداهمها، وخصوصاً أن إيران تواصل مسارها في سبيل أن تصبح “دولة نووية” كاملة الأوصاف قبل العودة إلى الاتفاق على أسس جديدة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …