الرئيسية / مقالات رأي / ليبيا في المفترق مرة أخرى

ليبيا في المفترق مرة أخرى

بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – وصلت الأزمة الليبية مُجدَّداً إلى مفترق طريقين وقفت عند مثلهما مرات عدة من قبل. يأتي مؤتمر برلين الثاني، الذي يبدأ أعماله اليوم في العاصمة الألمانية، سعياً إلى تجنب خروج الأزمة من الطريق التي وُضعت عليها منذ أوائل العام الماضي، عندما عُقدت النُسخة الأولى من هذا المؤتمر.

كانت الظروف في يناير 2020 أكثر صعوبة. ولهذا استغرق إخراج الأزمة من مشكلة الصدام والحرب، ووضعها على طريق التسوية السلمية، عاماً كاملاً بعد عقد مؤتمر برلين الأول. وبدأ التحرك على هذه الطريق خلال عملية تشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة في أوائل العام الجاري.

لكن التفاؤل بإكمال طريق التسوية السلمية إلى نهايتها المفترضة في ديسمبر القادم، وإجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية تُنهي المرحلة الانتقالية الطويلة، بقي حذِراً. تراكمات الصراعات المُعقدة والمُركَّبة تجعل هذه التسوية صعبةً. والثقةُ الغائبة بين أطراف هذه الصراعات في ليبيا تزيدها صعوبةً، والتدخلاتُ الأجنبية تُربك التحركَ لإنهاء الأزمة.

ولهذا ليس غريباً أن تصل هذه الأزمةُ مرةً أخرى إلى المُفترق، ويزداد القلق من عدم إحراز تقدم يُذكر في الملفات الأساسية السياسية والعسكرية، وفي مقدمتها تفكيك المليشيات وحل مشكلة الوجود الأجنبي المسلح، رغم التعاطي الإيجابي في حدود الإمكانات مع ملفات خدمية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية مثل الكهرباء والصحة والتعليم.

مؤتمر ثان في برلين، إذن، دعا إليه وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، سعياً إلى تدارك تبعات توتر آخذ في التوسع، ومعالجة العوامل المؤدية إلى الاحتقان الداخلي وتلبد الأجواء، أو بعبارة أخرى محاولة إطفاء كرة لهب يبدو أنها بدأت في التدحرج مرةً أخرى على نحو يُهدِّد ما تم تحقيقه منذ مؤتمر برلين الأول.

الأهداف المحددة للمؤتمر الثاني، هي تقييم التقدم الذي حدث منذ سابقه، ومناقشة الخطوات التالية اللازمة لتحقيق الاستقرار المُستدام في البلاد، وبحث الاستعداد للانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر المقبل، وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة على النحو المُتفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار، والتداول بشأن خطوات إنشاء قوات أمن ليبية موحَّدة، ودور المجتمع الدولي في مواصلة دعم عملية التسوية السلمية في الفترة القادمة. أهداف كبيرة تتسم بالشمول إلى حد كبير، وتحمل في طياتها جدول أعمال واسع النطاق على نحو يثير تساؤلات عما يمكن إنجازه في مؤتمر يستغرق أياماً قليلة، خاصةً في ضوء الالتباس في صياغة بعض هذه الأهداف. فعلى سبيل المثال، تم تجاوز البرنامج الزمني المحدد لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية في اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم يعد يصلح بالتالي مرجعيةً في هذا المجال.لكن الأهم من ذلك الحديث عن إنشاء قوات أمن ليبية موحدة. فهل المقصود بها الشرطة بفروعها المختلفة، وهو ما قد تحتاج ليبيا إلى بعضه، أم الجيش أيضاً؟ إن هناك جيشاً وطنياً فعلاً على الأرض، وقد أثبت حضوره وقدرته في المناطق التي تنتشر بها قواته في شرق البلاد وجنوبها. وسيكون جاهزاً لأداء واجبه في المنطقة الغربية أيضاً فور حل مشكلة المليشيات والقوات الأجنبية والمرتزقة، التي تبقى المُحدّد الرئيسي لمسار الأزمة الليبية في الأشهر الستة الباقية حتى موعد الانتخابات. ويتوقف على طريقة التعامل مع هذه المشكلة استمرار ليبيا على الطريق الذي يهدف مؤتمر برلين الثاني إلى ضمان بقائها فيه، وصولاً إلى إكماله في نهاية العام الجاري، أو انحرافه عنه والعودة إلى الصراعات العنيفة بكل ما تمثله من أخطار على منطقة واسعة في شرق المتوسط وجنوبه وشماله، وليس على الشعب الليبي فقط.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …