بقلم: ماريا معلوف – سكاي نيوز
الشرق اليوم- منذ 20 يناير 2021 اتجهت جميع الأنظار مع خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض وتسلم خلفه الديمقراطي جو بايدن مقاليد الرئاسة للسنوات الأربع القادمة إلى محاولة معرفة طبيعة المقاربة التي سينتهجها سيد البيت الأبيض الجديد.
وخاصة فيما يتعلق بأفغانستان وإيران والشرق الأوسط حيث لم يعد خافيا تنامي دور قوى أخرى باتت تتمتع بحضور دبلوماسي وعسكري قوي، وخاصة منها روسيا، التي نجحت في تثبيت الوضع في كل من سوريا وليبيا والحيلولة دون التمدد التركي.
خلال نقاشات عديدة مع صحفيين وأعضاء في الكونغرس رصدنا اختلاف المقاربات بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بطبيعة السياسة الخارجية.
الديمقراطيون يفضلون أسلوب التفاوض والاعتماد على مقاربة متعددة الأطراف بالتنسيق مع جزء من حلفاء الولايات المتحدة، أما الجمهوريون فهم يميلون إلى الاعتماد على أسلوب العمل الأحادي واستخدام القوة والاستعداد للتدخل وتشديد العقوبات وتصعيد الضغط وان كانت شخصية الرئيس نفسه تلعب دورا مهما في طريقة التعامل مع ملفات السياسة الخارجية مع الحفاظ على الثوابت.
كثير من المحللين يرون أن هناك استمرارية في السياسة التي ظلت الولايات المتحدة تنتهجها في منطقة الشرق الأوسط رغم تغير الإدارات، حيث يكون التغيير سطحيا ويتعلق بالوسائل والأساليب والايقاع ونوعية الخطاب المستخدم، لكننا اليوم نرى الرغبة المتزايدة من قبل إدارة بايدن في سحب القوات الأميركية وعدم القيام بأي عمل عسكري مستقبلي في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
منذ بداية مايو الماضي بدأت المرحلة الأخيرة من إنهاء تواجد أميركا في أفغانستان بعد 20 عامًا، وسيكون انسحاب آخر القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي بحلول نهاية الصيف.
ومن المتوقع أيضا أن تتعرض قوات الأمن الأفغانية لضغوط متزايدة من طالبان بعد الانسحاب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام مؤقت، وفقا للمراقبين الأفغان.
ولا يخفى أن الرئيس جو بايدن كان قد حدد الأول من مايو كبداية رسمية لانسحاب القوات المتبقية (نحو 2500 – 3500 جندي أميركي ونحو 7000 جندي من الناتو).
وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من تريليوني دولار في أفغانستان في العقدين الماضيين، وفقا لمشروع تكاليف الحرب في جامعة براون، الذي يوثق التكاليف الخفية للمشاركة العسكرية الأميركية.
يقول الرئيس بايدن إن الانسحاب الأميركي مبرر لأن قوات بلاده ضمنت أن البلاد لم تعد قاعدة للمتشددين الأجانب للتآمر ضد الغرب، مؤكدا أن الولايات المتحدة “لن ترفع أعينها عن التهديد الإرهابي “وهنا لا بد من الإشارة الى أن الانهيار المحتمل للحكومة الأفغانية واستيلاء طالبان المحتمل على السلطة قد يؤدي إلى حرب أهلية جديدة وكذلك فإن المغادرة العسكرية ستقلل من قدرة الحكومة الأميركية على اكتشاف التهديدات المتطرفة والرد عليها، بما في ذلك تنظيم داعش.
وبالتالي يمكن القول عن مستقبل أفغانستان بعد الخروج الأميركي المرتقب إن “انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان دون الحفاظ على وجود عسكري رمزي على الأقل يمكن أن يؤدي إلى وضع مشابه للعراق، حيث اضطرت الولايات المتحدة إلى العودة لمواجهة التهديد المتزايد من تنظيم داعش الإرهابي ومن المؤكد أيضا أن داعش ستجد طريقها إلى هناك وستجعل من أفغانستان أرضية لوجيستية لموجة إرهابية كارثية ستطال كثيرا من دول العالم.
أما إذا انتقلنا إلى المستجدات في علاقة أميركا بتركيا فواضح جدا أنه ستكون هناك انفراجة قريبة وتعاون في عدد من الملفات في المنطقة، الأمر الذي تخشى روسيا أن يضر بمصالحها، خاصة تلك التي تنسق بشأنها مع تركيا.
الولايات المتحدة وتركيا يريدان تحقيق تقدّم في مستوى العلاقة بينهما وإيجاد حلول لمختلف الأزمات، إذ أن تركيا شريك رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة وعضو في الناتو لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة أن أصوات تعلو في الإدارة الأميركية تطالب بضرورة إعادة استقطاب أنقرة وإبقائها في صفوف الحلفاء كي لا تجد موسكو لحظة للاستفادة من عقد تحالف متين مع الأتراك.
وكذلك فإن أنقرة تحرص على بقائها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة بالرغم من وجود مشاكل خطيرة للغاية في العلاقات التركية الأميركية لا يمكن إنكارها.
ذلك وكان لافتا ما كشفه تقرير صحفي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، نقل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة قررت سحب 8 بطريات صواريخ باتريوت الدفاعية من دول من بينها 4 دول عربية هي الكويت والسعودية والأردن والعراق.
وأوضح التقرير أن إدارة بايدن تقلل بشدة الأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط في خطوة لإعادة تنظيم تواجدها العسكري في المنطقة حيث تركز القوات المسلحة على التحديات لمواجهة الصين وروسيا.
وأشار التقرير إلى أن إعادة الانتشار تشمل مئات الجنود في الوحدات التي تشغل أو تدعم تلك الأنظمة، وهي خطوة تأتي في وقت يخطط فيه الجيش الأميركي للانسحاب الكامل من أفغانستان بحلول الحادي عشر من سبتمبر المقبل، وبعد تخفيض الولايات المتحدة قواتها بالعراق.
لكن المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” جون كيربي أوضح أن إعادة التموضع للقوات والمعدّات الأميركية في الخليج العربي ليست جذرية ولن تضر بقدرة القوات الأميركية على دعم الحلفاء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، حيث لا تزال الولايات المتحدة محتفظة بعدد كاف من القوات اللازمة في تلك المنطقة. وعملنا العسكري والدفاعي المشترك مع المملكة ودول الخليج الأخرى لا يرتبط بهذه المعدّات بل يتعداها إلى عدد من القطاعات والملفات التي نستمر بالعمل عليها معاً ولا زلنا نملك قدرا جيدا من القوات والتواجد المرن الذي يمكنّنا من إعادة المزيد من القوات والعتاد في حال شعرنا بوجود أي تهديد يتطلّب عودتنا ومثل هذه القرارات تم اتّخاذها بعد مشاورة الحلفاء في دول المنطقة والاستماع منهم والتأكد من قدرة الجانب المحلّي على سدّ الثغرات التي تتركها الولايات المتحدة بسحب بعض معدّاتها”. انتهى كلام المتحدث السابق باسم البنتاغون.
وهنا يرد السؤال المحوري، ماهي القوة التي يمكنها لعب دور ضابط الإيقاع الرئيسي في منطقتنا العربية عموما، وفي الشرق الأوسط خصوصا عندما تنفذ الولايات المتحدة توجهها بالانسحاب من مشاكل المنطقة ما بين روسيا وإيران وما بين تركيا وإسرائيل وما بين جامعة الدول العربية وجهود الاتحاد الأوروبي لن يكون أحد في رأيي قادرا على ضبط إيقاع الأحداث في المنطقة سوى الولايات المتحدة فهي الأقدر على نزع أسباب الأزمات عن الدول التي أصيبت به منطقتنا في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها لذلك لم ولن استغرب أبدا ما اسمعه في واشنطن من بعض صناع السياسة الخارجية إلى دعوة الرئيس بايدن إلى القيام بدور إيجابي يستعيد به ثقة شعوب المنطقة التي لا يمكن حل أزماتها دون المشاركة الأميركية الفاعلة.