الرئيسية / مقالات رأي / لوباريزيان: قبل 60 عاما من اجتماع بايدن وبوتين .. هكذا واجه كينيدي خروتشوف

لوباريزيان: قبل 60 عاما من اجتماع بايدن وبوتين .. هكذا واجه كينيدي خروتشوف

BY: Charles de Saint Sauveur

الشرق اليوم – أقل ما يمكن أن يقال عن اللقاء بين الرئيسين الأميركي، جو بايدن، والروسي، فلاديمير بوتين، في جنيف قبل أيام أنه كان في جو مشحون، أعاد إلى الأذهان اللقاء المشهور قبل 60 سنة في العاصمة النمساوية فيينا، في خضم الحرب الباردة، بين الزعيم السوفياتي وقتئذ، نيكيتا خروتشوف، والرئيس الأميركي، جون كينيدي، وتساءل العالم حينئذ أيهما سينتصر على الآخر؟
وجاء أول لقاء بين بايدن وبوتين، لتخفيف التوتر، وقال الرئيس الروسي إن “المناقشة كانت صريحة ومباشرة”، ووصفه نظيره الأميركي هذه المرة بأنه “صارم وذكي” مع تأكيده أنه لا ينوي “الوثوق به”، بعد أن كان وصفه سابقا بأنه “قاتل”، وحذره من الهجمات الإلكترونية على مصالح بلاده، وذكّره بمصير المعارض الروسي المعتقل حاليا أليكسي نافالني، واتفقا على إعادة سفرائهما.
إن هذا اللقاء يشبه لقاء جمع قبل 60 عاما الرئيس السوفياتي، نيكيتا خروتشوف، والرئيس الأميركي، جون كينيدي، كان في الشهر نفسه يونيو/حزيران 1961، وعلى أرض محايدة بالنمسا، وكان أول مواجهة شخصية ودبلوماسية حقيقية بين رئيس أميركي جديد وقتئذ يطمح إلى أن يثبت جدارته بزعامة العالم الحر، وخليفة الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في ذروة الحرب الباردة.
وقبل تلك القمة، حذّر مستشارو البيت الأبيض الرئيس الشاب الذي لم يمض على توليه السلطة سوى 4 أشهر من رئيس الاتحاد السوفياتي الماكر جدا والأكثر خبرة، ولكن كينيدي كان يستمع فقط إلى غرائزه وإلى أخيه بوبي الذي أعدّ للقمّة معه في سرّية تامة، إن كان ما قاما به يمكن أن يسمى إعدادا.
وعندما وصل الرئيسان إلى فيينا يوم الثالث من يونيو/حزيران، كان كينيدي قادما بطائرته من باريس بعد قمة مع الجنرال شارل ديغول، وكينيدي شاب رياضي وجذاب ترافقه زوجته نجمة هوليود الباسمة جاكلين، في حين وصل خورتشوف الممتلئ بعد رحلة طويلة بالقطار من موسكو عابسا كما لو كان على وشك الدخول إلى الحلبة تحت أعين 1500 صحفي أُرسلوا إلى القمة.
ومع أن خروتشوف كان يبدو في كثير من الأحيان رجلا وديعا فإن تحت تلك الوداعة من القسوة ما يشهد به إرساله أصدقاءه السابقين إلى فرقة الإعدام في أثناء عمليات التطهير الستالينية، وسحق دباباته بعد أن تولى السلطة للانتفاضة في بودابست، وربما يكون قد خطط للإجهاز بسرعة على الرئيس عديم الخبرة وغير الناضج الذي سيقابله، كما يقول مازحا لرفاقه.
جاء خروتشوف إلى فيينا وبيده ورقتان مهمتان، الأولى الإخفاق الذريع لحملة خليج الخنازير التي قادتها وكالة المخابرات المركزية لإطاحة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو الموالي للاتحاد السوفياتي والتي عُدّت إذلالا لكينيدي “المبتدئ”، والثانية إرسال رجل إلى الفضاء لأول مرة، باعتباره نقطة حاسمة في السباق نحو الفضاء تسجل للاتحاد السوفياتي.
أمام الصحافة، قال خروتشوف كلمات مهدئة، وأضاف “لا يمكننا القيام بكل شيء دفعة واحدة، ولكنني آمل أن يكون هذا الاجتماع الأول مفيدا للسلام العالمي، وأن يحسن العلاقات بين الشرق والغرب”، كأنه لم يأت لتسوية القضايا الساخنة ولكن لتقوية عضلات الاتحاد السوفياتي وتخويف الأميركيين.
وخلال أول مقابلة للرئيسين التفت خورتشوف إلى كينيدي قائلا “هل تعلم أننا صوّتنا لك؟”، ليرد الآخر بتعجب “كيف؟”، فيبتسم خروتشوف ساخرا “لأننا انتظرنا حتى نهاية الانتخابات لإطلاق سراح الطيار”، وأورد في مذكراته كيف انتظر حتى نهاية الانتخابات الأميركية التي كان يتنافس فيها فيها كينيدي ونيكسون لإطلاق سراح غاري باورز الذي أسقط السوفياتيون طائرته.
وعلى الرغم من المصافحة الحارّة أمام المصورين، فقد تحول الموقف فجأة في الاجتماع الثاني إلى البرود الشديد، عندما طرحت قضية برلين على الطاولة، إذ حذر خروتشوف من أن “الأمر متروك للولايات المتحدة لتقرير ما إذا كانت هناك حرب أم سلام”، وهدد بالرد إذا استفزه العم سام، “لذا يا سيدي، ستكون هناك حرب، وسيكون أمامنا شتاء بارد”.
عدّ خروتشوف نفسه الفائز في المواجهة، وأمر ببناء جدار برلين في أغسطس/آب 1961، وبلغت به الجرأة في العام التالي أن نصب صواريخ نووية في كوبا مقابل ولاية فلوريدا، وعاش العالم أياما رهيبة في أكتوبر/تشرين الأول 1962، تأرجح فيها على حافة الهاوية. ولكن من المفترض أنه تعلم الكثير من إخفاقه في فيينا، ولذلك فقد انتقم كينيدي من الرئيس السوفياتي بإجباره على التراجع.
وبعد عام من اغتيال كينيدي، يقول خروتشوف الذي أبعد من السلطة عام 1964، في مذكراته متحدثا عن أزمة الصواريخ الكوبية، إن منافسه بدا قلقا ومنزعجا، “كنت أتمنى لو افترقنا في جو مختلف، ولكن لم يكن هناك ما يمكنني فعله لمساعدته فالسياسة عمل لا يرحم”.

ترجمة: الجزيرة

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …