افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – باتت الحرب السيبرانية من أخطر الحروب غير التقليدية التي تواجه العالم، حيث أصبحت تشكل أرقاً وخطراً، نظراً لما تمثله من مخاطر على الأمن والسلم الدوليين، وخطورتها تكمن في أنها حرب خفية غير مرئية، تشارك فيها جيوش من القراصنة الذين يستطيعون بكبسة زر شنّ هجمات على مؤسسات حكومية، وتدمير بنى تحتية وقطاعات صناعية وأمنية وعسكرية ونووية وصحية، وقدرة على شلّ الحياة في الدول الأخرى، إضافة إلى سرقة بيانات ومعلومات مؤثرة ذات طبيعة سرية، وكل ذلك يتم من دون استخدام أسلحة تقليدية مثل الصواريخ والطائرات والمدافع، ومن دون إحداث دمار أو سفك دماء.
كل الدول باتت تشارك في هذه الحرب، مباشرة أو عبر جيوش غير معروفة، وقد حدثت خلال السنوات القليلة الماضية آلاف العمليات التي استهدفت دولاً، تم خلالها استهداف مئات المؤسسات، وأدت إلى خسائر مادية فادحة، حيث أشارت تقارير رسمية إلى أن حجم الإنفاق على أمن المعلومات تجاوز 96.3 مليار دولار عام 2018 وحده.
وبسبب هذه المخاطر، تتبادل الدول، وخصوصاً الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، والدول الأوروبية وغيرها الاتهامات بشأن تعرضها لهجمات سيبرانية طالت بنى تحتية مؤسسات ومراكز مهمة فيها. ولعل الهجمات السيبرانية التي طالت مراكز نووية إيرانية خلال السنوات الأخيرة وتعطل العمل فيها، مجرد نموذج لما يمكن أن تحدثه هذه الهجمات من أضرار.
ونظراً للقلق الذي ينتاب الدول جراء الهجمات السيبرانية، فإن هذا الموضوع تصدر اجتماع القمة الأخير الذي عقد في جنيف بين الرئيسين الأمريكي، جو بايدن، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حيث اتفقا على إجراء مباحثات مفصلة بين الجانبين حول هذا الموضوع، درءاً لمخاطره. كما أن العديد من الدول بدأت بوضع خطط وإنشاء فرق متخصصة قادرة على منع الهجمات السيبرانية أو شنّ هجمات مضادة.
ونظراً لخطورة الحرب السيبرانية باعتبارها الميدان الخامس للقتال بعد الأرض والجو والبحر والفضاء، وقدرتها على شل الجيوش والأنظمة العسكرية القتالية، فإن الدول الكبرى بدأت بوضع خطط مواجهة من خلال استثمار مليارات الدولارات في برامج خاصة بهذه الحرب كما فعلت الولايات المتحدة مؤخراً من خلال رصد مبلغ 170 مليار دولار لأغراض البحث والتطوير في المجال التقني.
إن حلف الأطلسي (الناتو) مثلاً، أدرك منذ سنوات مخاطر الحرب السيبرانية على جاهزيته ومؤسساته، ومن أجل حماية نفسه شكّل مركزاً للدفاع الإلكتروني يتولى التدريب على الدفاع عن شبكته العنكبوتية، وتأمين أنظمة تكنولوجيا المعلومات المعقدة.
وقال أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ، إن الحلف سيدافع عن نفسه في العالم السيبراني كما يفعل في العالم الحقيقي، وأشار إلى أن «العالم السيبراني هو ساحة حرب جديدة».
الحرب السيبرانية خطيرة، وربما أشد خطراً من الحرب التقليدية، وكلتاهما لا يضفي عليهما القانون الدولي أية شرعية، لذلك على العالم أن يباشر في وضع خطط عملية لمواجهة هذه الحرب الخفية التي بدأت تهدد الحضارة العالمية.