بقلم: حافظ البرغوثي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، واثق من أن الحكومة الحالية التي شكّلها حليفه السابق، نفتالي بينيت ستكون قصيرة العمر، وهي عرضة للانهيار في أية لحظة يقرر فيها أحد الأعضاء في الكنيست الانتقال منها إلى المعارضة، لأن أغلبية الصوت الواحد تبقيها هشة أمام أية معضلة يواجهها الائتلاف الفسيفسائي الغريب الذي جمعها تحت شعار واحد، وهو التخلص من نتنياهو الذي هيمن على الحياة السياسية الإسرائيلية على مدى 15 سنة.
فالتباينات بين أحزاب اليمين والوسط واليسار في الحكومة كبيرة جداً، خاصة في الشؤون السياسية، لأن أحزاب اليمين فيها أكثر تطرفاً من حزب الليكود نفسه الذي يعتبر معتدلاً بالمقارنة معها، أما حزبا الوسط، وهما «حزب ييش عتيد» برئاسة يائير لبيد، وحزب وزير الحرب بيني جانتس، فلهما نظرة سياسية متشابهة بشأن القضية الفلسطينية، حيث يريدان كياناً فلسطينياً مقلصاً بلا حدود، أو سيادة فوق الأرض، أو تحتها.
والقاسم المشترك مع اليمين هو أن القدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، وأن إيران يجب ألا تمتلك سلاحاً نووياً، وأن العمل ضدها يجب أن يستمر، وأن أي اتفاق أمريكي معها يجب أن يضمن إطلاق يد إسرائيل في العمل ضدها، وفقاً لأقوال بينيت. لكنه في الحقيقة لن يعارض أي اتفاق مع إيران، وليس قادراً على مواجهة الإدارة الأمريكية إذا ارتأت ذلك، وهو الموقف نفسه لجانتس.
التحدي الأساسي أمام حكومة بينيت هو طريقة التعامل مع السلطة الفلسطينية التي تحظى بدعم أمريكي حالياً، وبتأييد حل الدولتين والعودة للمفاوضات، وهي صيغة من السهل الالتفاف عليها من جانب بينيت عديم الخبرة السياسية، فهو قد يبدي استعداداً للتفاوض، لكنه لن يقدم شيئاً، أي أنه سيلجأ إلى التفاوض من أجل التفاوض، وهو يعي أن الإدارة الأمريكية لن تعرض أفكاراً جديدة لدفع العملية التفاوضية إلى الأمام، بل إن مجمل ما ستقوم به واشنطن هو العمل بنصيحة مبعوث السلام الأمريكي الأسبق المخضرم اليهودي، دينيس روس، الذي دعا الإدارة الأمريكية إلى إدارة الأزمة، وليس التقدم بأفكار لحلها، بمعنى آخر المماطلة والحفاظ على الوضع الراهن. على أن الصدام يبقى وارداً بين بينيت وبايدن حول الاستيطان، حيث يعارض الأمريكيون التوسع الاستيطاني بقوة، بينما هناك أحزاب من اليسار تعارضه أيضاً، لأن الاتفاق الائتلافي نص على زيادة ميزانية جامعة أرييل في جنوب نابلس، والتوسع في الطرق الاستيطانية، ولأن وزيرة المواصلات من حزب العمل فسوف تجد نفسها في مأزق لأنها تعارض الاستيطان رغم أن حزب العمل هو المؤسس الأكبر للاستيطان.
نتنياهو يعي هشاشة حكومة بينيت، ولذلك تعهد في جلسة منح الثقة لها بممارسة الضغوط عليها يومياً لإفشالها وتفكيكها. لكن نتنياهو الذي يرفض حتى الآن إخلاء مقر إقامة رئيس الوزراء لخلفه بينيت، وطلب مهلة أسابيع لنقل أثاثه كأنه يراهن على إسقاط الحكومة أثناء ذلك، ولسان حاله يقول: فاصل وسنعود للانتخابات الخامسة. إلا أنه يتجاهل حقيقة أنه مطلوب أمام القضاء بتهم فساد، وأن مجال المناورة بات ضيقاً أمامه بعد تركه رئاسة الوزراء، وأن القضاء سيستدعيه من دون أن يكون قادراً على ممارسة لعبة المماطلة والتأجيل. فالرجل مارس كل الألاعيب للبقاء على رأس الحكم، فحاول التفاهم مع جماعة «الإخوان المسلمين» برئاسة عباس منصور وفشل في النهاية، وحاول جذب أحد النواب من حزب بينيت، وفشل، وآخر رصاصة كانت عرضه الاستقالة وتولي جانتس رئاسة الحكومة لثلاث سنوات. فقد أبدى نتنياهو استعداده للاستقالة حتى يتمكن جانتس من تولي المنصب على الفور، وأن يستمرّ رئيساً للحكومة لثلاثة أعوام، فيما يكون نتنياهو رئيس حكومة بديلاً، ولم يوافق جانتس على العرض لأن جانتس تعرض للخداع عند انضمامه لحكومة نتنياهو، وعرقل الأخير عملية التناوب بينهما، ما أدى إلى الانتخابات الأخيرة.