بقلم: علي حمادة – النهار العربي
الشرق اليوم – مع توجه الإيرانيين صبيحة هذا اليوم الى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد، تطرح بقوة مسألة نسبة المشاركة، حيث إن المؤشرات خلال الأيام القليلة الماضية أفادت أن النسبة لن تكون كبيرة، وربما انخفضت الى مستويات قياسية، قد لا تتعدى 40 في المئة، وذلك بعدما تميزت نسب المشاركة في الانتخابات السابقة بمعدلات تراوحت بين 50 في المئة، و85 في المئة.
وتعود التقديرات التي ترجح انخفاض نسبة المشاركة في هذه الانتخابات إلى أن الناخب الإيراني يئس من إمكانية إحداث تغيير في حياته اليومية، أو في أسلوب الحكم، أو في فرض إصلاحات ضرورية في النظام من خلال صناديق الاقتراع. أضف إلى ذلك، أنه في المرات القليلة التي شعر فيها الناخب الإيراني بأنه قادر على إحداث تغيير، ولو طفيفاً، كما في انتخابات 2009، كان رد النظام، والدولة العميقة المتمثلة بتحالف رجال الدين والعسكر قمعاً دموياً، تكرر أكثر من مرة عندما اشتعل الشارع في تظاهرات بدأت اقتصادية اجتماعية مطلبية، وسرعان ما تحولت الى تظاهرات رفعت فيها شعارات مناوئة للنظام، داعية لإسقاط “الدكتاتور”، أي حكم المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يتحكم من خلال سلطاته بمفاصل القرار.
في ما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية، يعتبر الرئيس والحكومة التي يرأسها مجرد أدوات تنفيذية مهمتها مساعدة المرشد الذي يتخذ القرارات الكبيرة من فوق الحكومة.
من الأسباب الأخرى التي تدعو الكثيرين في إيران إلى العزوف عن المشاركة، أنهم يذكّرون كيف أن احتجاجات 2019 جرى إغراقها بالدم، على يد قوات الأمن، وقوات “الباسيج” التي تنبثق من “الحرس الثوري”. كما أن رؤية الإيرانيين لمشهدية التصفية الشاملة لترشيحات أكثر من 580 شخصاً للانتخابات، ومن بينهم مرشحون بارزون، ثم اقتصار الترشيح على سبعة، خمسة منهم من التيار المحافظ الأصولي، واثنان من التيار الإصلاحي (من دون دعم)، وبروز مرشح واحد للنظام، والدولة العميقة من أشد الشخصيات تطرفاً، أي رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، الذي تتقاطع جهود المرشد، والحرس الثوري، ومعظم المؤسسات الدينية الخاضعة للمرشد، الأجهزة الأمنية والمخابرات، كلها من أجل تأمين فوزه في الانتخابات. هكذا، وبما أن نتيجة الانتخابات معروفة سلفاً، فقد يكون الرد الأمثل من الإيرانيين الممتعضين من النظام، ومن الأوضاع الاقتصادية مقاطعة الانتخابات لإفقادها جزءاً من مشروعيتها. ولعله من المفيد أن نورد تجربة الإيرانيين مع حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية في مطلع العام الماضي، وكذب النظام في ما يتعلق بمسؤولية “الحرس الثوري” في إسقاطها، لكي نفهم حجم الشك الذي يسكن نفوس الكثيرين في إيران في ما يتعلق بالشأن العام. وبين انتخابات معروفة نتائجها سلفاً، وسمعة النظام السيئة في ما يتعلق بإدارة العملية الانتخابية، يفضل كثيرون أن يبقوا في بيوتهم، علماً أن للنظام أدوات ضغط لإجبار البعض على الذهاب الى صناديق الاقتراع.
وفي ظل تفاقم أزمة المشروعية السياسية للنظام، وتراجع الثقة بالقيادة، وبأساليب الحكم، وقلة الكفاءة في الإدارات العامة، وسوء إدارة الأزمات، لا سيما الأزمات الاقتصادية الخانقة التي فاقمتها العام الماضي جائحة كورونا، تشير بعض استطلاعات الرأي غير المرخصة من النظام إلى تراجع في شعبية كلا التيارين الإصلاحي والمحافظ على حد سواء، وشعور لدى شرائح واسعة من الإيرانيين بأن صناديق الاقتراع لا يمكن أن تجلب التغيير المنشود.
وللمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، يلحظ المراقبون أن موضوع المشاركة في الانتخابات تحوّل الى تحد جوهري للنظام، وخصوصاً مع تزايد الدعوات على نطاق واسع للمقاطعة. وفي المقابل، يقود المرشد الأعلى علي خامنئي معركة رفع نسبة المشاركة. وقد قال، يوم الأربعاء، أي قبل يومين من الانتخابات: “إن عدم مشاركة الشعب في الانتخابات يعني الابتعاد عن النظام الإسلامي، وإذا انخفض حضور الناس في الانتخابات يوم الجمعة فسوف نشهد ضغوطاً أكبر من الأعداء”.
أما قيادة “الحرس الثوري” فقد دعت إلى المشاركة، على اعتبار أن الانتخابات مصيرية. وبالطبع طُلب إلى الرئيس حسن روحاني الممتعض مما يحصل (على صعيد استبعاد مجلس صيانة الدستور مئات الترشيحات) أن يدعو إلى المشاركة ففعل، كذلك طلب إلى الرئيس السابق محمد خاتمي أن يدعو للذهاب الى صناديق الاقتراع ففعل أيضاً. لكن كل ذلك لا يقلل من جدية التحدي الذي يواجهه المرشد، ومعه الدولة العميقة بالنسبة إلى احتمالات انخفاض المشاركة إلى مستويات قياسية، قد تكون بمثابة ضربة يتلقاها النظام بمشروعيته فيما هو يتجه نحو مزيد من التشدد، والتجانس على مستوى السلطة والقرار.
في ظل هذا التحدي ستفتتح صناديق الاقتراع في إيران، وسيكون عنوانها العريض رفع نسبة المشاركة للعودة إلى الوراء!