بقلم: مناهل ثابت – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – إذا كنا سنتحدث عن المستقبل، فالحديث عن العولمة باعتبارات مستقبلية يشبه الحديث عن إشعال النار باستخدام حجرين، فالسياق الذي سنتحدث عنه وهو سياق التجارة العابرة للكواكب.
يفترض مصطلحاً جديداً هو الكونية بدلاً من العولمة التي كانت هاجساً لدى البشرية، قبل هذا الكم الكبير من الاختراعات في مجال المواصلات والتنقّل وموارد الطاقة التي يستعان بها على ذلك لتسهيل عمليات التجارة ونقل البضائع وتصديرها واستيرادها وتوفيرها لكل مكان في العالم، وبدلاً من الحديث عن أن العالم ليس أكثر من مجرد قرية صغيرة التي أثثت لها العولمة، ستتغير الفكرة إلى أن الكون ليس سوى قرية صغيرة.
في العقود الأخيرة التي عاشها العالم حدثت الطفرة الكبيرة في الصناعات التكنولوجية، لكنها لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة لخبرات إنسانية ومعارف متراكمة، ظلت تتطور منذ أول ابتكار صنعته الحاجة الإنسانية، حتى وصلت إلى صناعات غزو الفضاء.
ولعل مما يجدر الإشارة إليه، باعتبارات مستقبلية أيضاً، أن الاعتقاد بأن الكون ليس سوى سياق يدرس فيه تطور البشرية وخاص بحياة الإنسان فيه، هو اعتقاد ستبطله اكتشافات المستقبل المتعلقة بالفضاء والتي بدأت للتو، أي أننا على أعتاب مرحلة جديدة من المعرفة الإنسانية تتعلق بالآخر.
ولكن ليس على الصعيد البشري، بل على صعيد كوني، قد يكون بشرياً وقد يكون شيئاً آخر تماماً، أي أننا بصدد اكتشاف حيوات جديدة لكائنات جديدة لم يألفها الإنسان من قبل، وكان بمنأى دائماً عن معرفتها كنتيجة طبيعية لانشغاله بالحدود الضيقة للحس المعرفي الإنساني.
في السنوات القليلة الماضية، كان هناك هاجسان يسيطران على الوعي الإعلامي العالمي، وكانا أهم ما يمكن ملاحظته في سياق الأخبار اليومية وفي سياق الاعتبارات الحكومية لدى أهم الدول في العالم وأقواها، يتمثلان في غزو الفضاء وزيارات الكوكب الأحمر، والآخر رصد كائنات غريبة وجسيمات تبدو فضائية في المدارات الجوية لكوكب الأرض.
وبالربط بينهما نكتشف أن الكائن البشري ليس الوحيد في هذا الكون الذي يمتلك قدرات عقلية تمكّنه من السيطرة على بقية المخلوقات الموجودة، وإذا كان تفوّقه نتيجة لذكائه، قد سمح له بالريادة على كوكب الأرض، فقد لا يتحقق له ذلك على الصعيد الكوني في حال كان هناك كائنات أخرى؛ قد تنشب حروب من أجل ذلك مع تلك الكائنات وذلك الآخر في الكون، وقد يعيش حالة سلام معها قوام فكرته تبادل المصالح فيستعين بما لدى ذلك الآخر ويستعين الآخر بما لديه.
بلا شك، وبناء على الفكرة الأخيرة القائمة على السلام وتبادل المصالح، فإنه لا بد من ازدهار حقول الصناعات والتجارة العابرة للكواكب، إنها التجارة الكونية التي قد تفتح رحلاتها أيضاً آفاقاً جديدة ليس فقط للكائن البشري بل ولكل الكائنات في الكون، ليصبح الهاجس المستقبلي الجديد هو غزو الأكوان الأخرى وهنا سيكون التفكير بطريقة النظرية النسبية والأكوان المتعددة التي قدمها عالم الفيزياء «إينشتاين».
إن عالم الفضاء واقعٌ، وجوده وعدم وجوده مرهونٌ بقياسه، وهذا ما نتحدث عنه هنا، ولعل أهم الأدوات التي يجب أن يمتلكها الإنسان لتغيير الحالة المعرفية الراهنة ليس المعرفة في حد ذاتها، ولكن الخيال الذي يجعل المعرفة التي يصمّمها الخيال قابلة للبلوغ والوصول إليها، فبعد اتضاح بعض ملامح المستقبل الذي بدأ برحلات استكشافية إلى الفضاء واستكشاف ما يحتويه ستأتي النظريات والمؤلفات الإبداعية التي ستتحدث بالضرورة عن الكونية تباعاً، تماماً مثلما سوغت الابتكارات للحديث عن العولمة ذات يوم.
ومن جملة ذلك الحديث عن الكونية سيكون ثمة سياق لا بد من الحديث عنه وهو سياق التجارة العابرة للكواكب قوام الاقتصاد المستقبلي، للبشرية وللآخر الذي يعيش هناك؛ وقد يكتشف الإنسان في لحظة ما أن اكتشاف الفضاء يعني التكيف مع نظام جديد وليس النظام المعرفي العالمي سوى عتبة مهدت للوصول إليه، وله بالضرورة اقتصاد يقوم عليه، وعليه بالضرورة حينها أن يتكيف معه ويعيش في سياقاته، ويلتزم بدواعي متطلباته فكراً وقولاً وعملاً. وللحديث بقية.