بقلم: خالد عمر بن ققه – المصري اليوم
الشرق اليوم- ماذا يحدث فى الجزائر الآن؟.. يُطْرح هذا السؤال اليوم- بحدة واستفزاز- منذ إعلان اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أمس الأول الثلاثاء، 15 يونيو الجاري، عن نتائج الانتخابات التشريعية (البرلمانية)، في انتظار اعتمادها من المجلس الدستورى، والتي جاءت على غير التوقعات والاستنتاجات والتحليلات، حيث عادت أحزاب التيار الوطنى، المحسوبة على «أزمنة» الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتتصدر القوائم، ولتربك حسابات السلطة، خاصة الرئيس عبدالمجيد تبون، على الأقل من الناحية الظاهرية.
لقد اعتقد كثير من الجزائريين، خاصة السياسيين منهم، سواء من التيار الدينى أو من تيار اليسار والتقدميين والأحزاب الجهوية، أن التيار الوطنى خارج الحسابات المستقبلية، لأنه فى نظرها مرفوض شعبيًا، وإذا بها تجده اليوم يتقدم الصفوف، والمقاعد التي حصل إليها تدعو- بلا ريب- إلى التعجب والاندهاش والحيرة.
ها هو حزب «جبهة التحرير الوطني» يحصد 105 مقاعد، أي أكثر من ربع المقاعد، يليه التجمع الوطني الديمقراطي بـ57 مقعدًا، ثم جبهة المستقبل بـ48 مقعدًا، أي ما مجموعه (210 مقاعد من 407 مقاعد يتكون منها المجلس الشعبى الوطنى)، وهذا يعني أن الأحزاب الثلاثة إن تحالفت بإمكانها تشكيل الحكومة طبقًا للدستور الجديد، ويكن أن تلتحق بها الأحزاب الصغيرة ذات التوجه الوطني، مثل حزب الحكم الراشد (3 مقاعد)، حزب الفجر الجديد (مقعدان)، وحزب الجزائر الجديدة، وحزب الكرامة، وحزب جيل جديد، ولكل واحد منها مقعد.
بالمقابل، حصلت الأحزاب الدينية القوية منها والمجهرية على ما مجموعه 108 مقاعد، حيث فازت حركة مجتمع السلم «حمس» بـ64 مقعدًا، وهي في المرتبة الثالثة من النتائج (بعد جبهة التحرير الوطني والقوائم المستقلة)، وحركة البناء بـ40 مقعدًا، وهي سادسة في الترتيب من ناحية النتائج، يضاف إليها حزب العدالة والتنمية، وحزب الحرية والعدالة، بمقعدين لكل منهما.
الواقع أن الأحزاب الإسلامية- أو هكذا تدّعى- أثبتت فشلها التكتيكي والاستراتيجي فى عملها الجماعي التنافسي إلى درجة العداء أحيانًا، خاصة تلك التى تسعى لتكون تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين فى نسخته الجزائرية.
لقد كانت هذه الانتخابات التشريعية فرصتها لتشكيل الحكومة لكنها- كما ذكرت سابقًا- فشلت في التكتل، وما تؤكده النتائج في الوقت الراهن، ويحتمل استقطابها من الأحزاب الوطنية، وهي على استعداد أن تتحالف حتى مع من يخالف برامجها ومشاريعها والتجارب السابقة أثبتت ذلك، حتى أن بعضها كان فاعلًا أساسيًا في منظومة الفساد، لكن تلك الأحزاب- وأقصد هنا حمس وحركة البناء- فازت بشكل منفرد، وإن كان هناك من يرى أنها راهنت على قوائم المستقلين، لكن هذا مردود عليه، لأن تلك القوائم رهان معظم الأحزاب المشاركة من جهة، وأيضا رهان السلطة، التى لم تستطع الحصول منها إلا على 12 مقعدًا من مجموع 78 مقعدًا فازت بها القوائم المستقلة.
وعلى خلفية كل هذا، نصل إلى جملة من ملاحظات قد تمثل حقائق، منها:
أولًا: الشعب الجزائرى- على غرار شعوب عربية أخرى- أَمْيَل بطبعه إلى الأحزاب الوطنية، ويميز بوضوح بين العقيدة باعتبارها هوية وانتماء، وبين توظيفها السياسى لصالح هذا الحزب أو ذاك.
ثانيًا: أن نتائج الانتخابات تؤكد ما ذهب إليه الكاتب د. محمد لعقاب، من أن الشعب الجزائرى صوت لما يمكن أن نسميه «الانتخاب الآمن».
ثالثًا: الأحزاب الكبرى، ذات التاريخ الطويل والبرامج الواضحة والتجربة الطويلة فى الحكم، يمكن أن تتراجع، خاصة حين يضل قادتها عن الطريق، لكنها تبقى القادرة على العودة لأنها تملك قاعة نضالية واسعة وإرثًا سياسيًا متراكمًا.
رابعًا: التعويل على إفشال الانتخابات من خلال المقاطعة ضرب من الوهم، والخاسر الأكبر هنا من تدعى أنها «بديل ديمقراطى» فى حين السنوات السابقة تشهد أنها كانت جزءًا من منظومة الفساد.
خامسًا: رهان الرئيس عبدالمجيد تبون على قوى المجتمع المدنى سابق لأوانه، حيث إن المشاركة أثبتت ذلك، وكذلك نتائج القوائم المستقلة، وإن كانت لأول مرة تحصد فوزًا بهذا الحجم فى تاريخ الانتخابات الجزائرية.
سادسًا: أصبح من الضرورى إعادة النظر فى الرهان على قوى المجتمع المدنى لجهة إحداث تغيير سياسى، كما أنه مطلوب تقوية الأحزاب.
سابعًا: على الرغم من فوز الأحزاب التقليدية، إلا أنه يُحْسب للرئيس عبدالمجيد تبون تمكنه من إحداث تغيير داخل تلك الأحزاب نفسها، حيث أدخل نسبة كبيرة من الشباب، ومكّن المرأة بدرجة أكبر، وأسهم فى إشراك عناصر النخبة، وأبعد المال الفاسد ورجاله من التأثير على الانتخابات.