بقلم: عزام المشعل – الرياض السعودية
الشرق اليوم- يبدو أن العالم مع بالغ الأسف في طور دخول مرحلة جديدة ستقضي على التوازن والتعايش بين الاقتصاد والسياسة الذي كان يعد من أهم مقومات الاستقرار وكما يقال “الاقتصاد هو ظهر السياسة”.
التفاعل والتأثير المتبادل بين الاقتصاد والسياسة كان في أصله مبني على الحد من تدخل الدولة ما عدا دورها في تسهيل المبدلات. ولكن يبدو أن صانعي القرار السياسة في مجموعة الدول الصناعية السبع أصبحوا غير قادرين على تقبل هذا الإطار بحجة أن الشركات متعددة الجنسيات أصبحت أضخم من الدول وأن الأرباح التي تحققها تلك الشركات لا تنعكس بشكل كافي على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة! لذلك يجب أن تتدخل الحكومات بنفوذها وتشريعاتها لتقتطع من خلال فرض ضريبة على الدخل ما تعتبره حق الشعوب في تلك الأموال ومن ثم تنصب نفسها كضابط لميزان العدل والجهة الأقدر على إعادة توزيع تلك الثروات!
لقد خرجت علينا مجموعة السبعة G7 بقرار اعتبره السياسيون بالتاريخي يقتضي فرض ضريبة عالمية على أرباح الشركات متعددة الجنسيات بحد أدنى 15 في المئة ولكن بحسب اقتراح الرئيس الأمريكي بايدن بتحديد مستوى ذلك الحد الأدنى عند 21 في المئة أما سقف تلك الضريبة فمفتوح ويزيد بزيادة الأرباح، ولن أستغرب لو وصل إلى 60 في المئة نظراً لكون ميزان العدالة الاجتماعية مختل بشكل حاد حسب رأي تلك الحكومات!
فرض ضريبة دخل من قبل الحكومات لم ينجح يوماً في تخفيف معاناة ذوي الدخل المحدود ولم يساهم قط في تحقيق معدلات نمو اقتصادية مستدامة! ولن يكون مستقبل الضريبة التي أقرتها قمة “مجموعة السبعة” “G7” الأخيرة أكثر حظاً، والادعاء بأن موارد تلك الضريبة التي يتوقع أن تتخطى 25%بواقع ترليون دولار ستكون بمثابة مركب النجاة لتعزيز اقتصاد الدول النامية غير واقعي. الدول السبع تعاني من تراجع اقتصادها بسبب ارتفاع الضريبة في نظامها الاقتصاد الأمر الذي أجبر تلك الشركات على إنشاء مقراتها ومزاولة نشاطها في دول حيث معدّل الضريبة على الشركات منخفض أو حتى منعدم.
ستدرك الشعوب بعد فوات الأوان بأن تلك الخطوة كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. فمن المعروف اقتصاديا أن هذا النوع من الضرائب بشكل عام لها تأثير سلبي على النشاط الاقتصادي. ويعتبر رفع ضريبة الدخل سياسة مالية انكماشية تحد من النشاط الاقتصادي وترفع معدلات البطالة وقيمة السلع والخدمات الأمر الذي يؤثر بشكل كارثي على القوة الشرائية ولهذا يسعى النظام الضريبي الأمثل أن يكون الأثر السلبي على النشاط الاقتصادي أقل ما يمكن.
من يقف خلف هذا القرار يشتت تفكيرك بتغليب عاطفتك على عقلك ويقول لك بأن الحجج المطروحة قوية كما أنها ملحة. إذ سيؤدي كبح التجاوزات الضريبية إلى عزل الملاذات الضريبية التي كانت ولا تزال تخفي المليارات في بنوكها (التي تُعرف باسم) الـ”أوف شور”. ولكن يجب حينها أن لا تنسي بأن الاقتصاد القوي الذي يحقق العدالة والتنمية المستدامة هو ببساطة الاقتصاد الذي يعزز قيمة الفرد من خلال تطوير المهارات وتوفير فرص عمل، فالناصح هو من يعلمك الصيد وليس من يهديك السمك.
يجب أن ندرك أن هذه الضريبة العالمية على الدخل التي تستهدف أرباح قطاع الأعمال تأتي في وقت قطاع الأعمال بأشد الحاجة للدعم بعد جائحة كورونا. ويجب أن ندرك أن هذه الضريبة لا تعدو كونها ضريبة لمعاقبة النجاح والناجحين، ضريبة لقتل الطموح، ضريبة لخنق أنفاس الإبداع، ضريبة لتقويض الساعد الأيمن للحكومات، ضريبة تعيق وتقوض المنبع الحقيقي والرحم الولادة للفرص الوظيفية، ضريبة لخفض الجودة ورفع قيمة المنتج أو الخدمة. هذه المعاني أدركتها السعودية لذلك لم يكن هذا الشكل المعاق من الضرائب جزء من رؤية 2030 وقد أكد على ذلك ولي العهد خلال لقائه التاريخي الأخير، بل أن القيادة السعودية ذهبت لأبعد من ذلك وقدمت تسهيلات وإعفاءات غير مسبوقة للقطاع الصناعي. لا شك أن من يقف وراء هذا النهج يهدف في مرحلة ما تأميم تلك الشركات بحجة استغلالها للشعوب وتضخم ثرواتها وقبل أن تخرج عن السيطرة بحسب زعمهم.