الشرق اليوم- انتهى عهد بنيامين نتنياهو الطويل والمثير للانقسامات رسمياً عشية يوم الأحد، وسقط نتنياهو المسؤول الإسرائيلي الذي طغى على المشهد السياسي خلال الجيل الماضي، لكن لم تنتهِ حياته السياسية، لقد هُزِم بأصغر فارق ممكن، وأصبح نفتالي بينيت رئيس الوزراء بدلاً منه، وهو يتسلم السلطة في لحظة دقيقة من تاريخ إسرائيل، ومن المتوقع أن يتسلم يائير لبيد، الزعيم الوسطي ووزير الخارجية الجديد، منصب بينيت بعد سنتين، حيث ابتكر بينيت وشركاؤه ائتلافاً من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك حزب عربي مستقل للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، بعدما فشل نتنياهو في تشكيل حكومة غداة آخر انتخابات في مارس الماضي.
لكن بدأت القوة التي وحّدت الصفوف، أي مشاعر العداء تجاه نتنياهو، تتلاشى بعد وصول الائتلاف إلى السلطة واستلامه مسؤولياته، وستُركّز الحكومة الإسرائيلية الجديدة على إعادة إحياء المقاربة الإسرائيلية التقليدية التي تقضي بكسب دعم الحزبَين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن، بعد سنوات من التوتر مع الديمقراطيين الأمريكيين، وقد ذكر بايدن في أحد البيانات أنه يتطلع إلى التعاون مع بينيت لتقوية مختلف جوانب العلاقة الوثيقة والدائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
لكن كان بينيت قد ألمح في خطاب سابق له أمام البرلمان إلى نشوء خلافات محتملة في المرحلة المقبلة، وتعهد بأن تتابع إسرائيل معارضتها لأي اتفاق نووي جديد مع إيران، كذلك، ينشغل الإسرائيليون بمشاكلهم الداخلية: هل سيصمد الائتلاف الحاكم الهش والمتنوع؟ وهل سيحقق أياً من بنود أجندته الإصلاحية المحلية الجريئة، بدءاً من تعيين القضاة وصولاً إلى تحفيز النمو الاقتصادي؟
تكثر الاختلافات الأيديولوجية بين الأطراف المشارِكة، لكنها أعلنت أنها لن تحاول حل المسائل العالقة الكبرى بل ستُركّز على تحسين الحياة اليومية للمواطنين الإسرائيليين، لكن للمرة الأولى منذ نشوء إسرائيل في عام 1948، لم يكتفِ القادة العرب بمنح أصواتهم للائتلاف الحاكم بل انضموا إليه أيضاً. تقليدياً، لم تكن الأحزاب العربية تشارك مباشرةً في الحكومات الإسرائيلية، بل كانت الأحزاب الإسرائيلية الأخرى ترفضها أو ربما ظن العرب أن ناخبيهم يطالبونهم بالمعارضة وبعدم التنازل عن حقوقهم الديمقراطية.
بعد عقود من التهميش السياسي، سعى عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين المقيمين في غرب “الخط الأخضر” (نحو خمس السكان في إسرائيل) إلى توسيع نطاق اندماجهم، إنه تحوّل تاريخي هائل وهو يستحق المزيد من الانتباه، فإذا استطاعت الأحزاب السياسية العربية الانضمام إلى الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بعد أشهر قليلة على مصالحة الإمارات العربية المتحدة والمغرب مع إسرائيل، فذلك يعني أن التيارات العميقة في السياسة العربية تغيرت، وهذا الوضع يفتح المجال أمام إطلاق نقاشات حول إرساء سلام دائم، كذلك، قد يصبح ضعف الائتلاف الجديد نقطة قوة في مساعي السلام، ومن المستبعد أن يقدّم الائتلاف أي تنازلات كبرى إلى الفلسطينيين، لكنه يستطيع التركيز على تلبية حاجات العرب المقيمين في إسرائيل عبر تحسين المدارس والمستشفيات والإسكان والوظائف.
إنها مسؤولية يائير لبيد، الصوت المعتدل الذي أثبت مهارة سياسية لافتة وأثّر في نشوء الائتلاف وضمان تماسكه، حتى أنه برع في ترسيخ الروابط مع الولايات المتحدة، وهي أهم علاقة بالنسبة إلى إسرائيل، كذلك يؤدي بنيامين غانتس دوراً بارزاً في هذا المجال، وهو سياسي إسرائيلي وجنرال متقاعد يحظى باحترام كبير في واشنطن وأماكن أخرى، وقد يصبح هذان الرجلان معاً من أهم العناصر التحفيزية في الحكومة.
لكن لا بد من مراقبة طريقة تعامل الائتلاف مع شركائه العرب الجدد، وبعيداً عن كلمات الإشادة والمصالح المشتركة، يستطيع الائتلاف أن يُشجّع على تعميق ثقة عرب إسرائيل وتوسيع مشاركتهم في السياسة الديمقراطية عبر منحهم منافع ملموسة.
لا يزال الطريق طويلاً قبل تحقيق الأهداف المنشودة، وتتطلب هذه العملية الكثير من الصبر والشجاعة وعمق البصيرة، لكن تاريخ البلد قد يصبح بيد هذا الائتلاف في نهاية المطاف.
ترجمة: صحيفة الجريدة