بقلم: أحمد مصطفى – الخليج الإماراتية
الشرق اليوم- من أهم العناوين في تغطية قمة مجموعة السبع التي استضافتها بريطانيا في الأسبوع الثاني من يونيو “عودة أمريكا”. ليس لأنها أول قمة في أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ولكن لتفاؤل الأوروبيين والغرب عموماً بصفحة جديدة بعد سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب. هل “خرجت أمريكا من التحالف الغربي” في عهد ترامب؟ هل استعاد الغرب قيادة أمريكية افتقدها لأربع سنوات؟ هل عادت أمريكا إلى دورها الريادي الذي كانت تتمتع به وفقدته بسياسات ترامب؟.
الملاحظة الأولى، أن كل تلك الأسئلة المتعلقة بعودة واشنطن التي يجري التهليل لها تتعلق بترامب أكثر منها ببايدن. وإذا أخرجنا ذلك الجانب الشخصي من المعادلة لا يبدو أن هناك تغيراً كبيراً فعلاً في التحالف الغربي كله ودور الولايات المتحدة فيه. وتلك سمة عامة لكل سياسات بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير الماضي حتى الآن، داخلياً وخارجياً. فمن الأوامر التنفيذية الرئاسية إلى القوانين والتعديلات تستهدف سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة إلغاء سياسات وإجراءات سابقتها أكثر منها تبادر وتبتكر.
خارجياً، لا يتصور أن إدارة بايدن ستحرف مسار استراتيجية «فك الارتباط» بالعالم التي بدأت منذ الولاية الثانية للرئيس الجمهوري جورج بوش الابن. وعلى مدى فترتين رئاسيتين، لم يفعل الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما سوى السير في هذا الإطار بغض النظر عن الخطاب الانشائي ولغو الحديث. أما دونالد ترامب فقد اتسم أسلوبه بالفجاجة أحياناً، وربما هذا ما جعل أوروبا الغربية وكندا واليابان وأستراليا وبقية ما يسمى ابتسارا «التحالف الغربي» غير مرتاح لصراحة ترامب الصادمة أحياناً.
عودة واشنطن، كما تبدو من تصريحات بايدن وأعضاء حكومته وما حدث خلال قمة مجموعة السبع ليست سوى الاستمرار في تلك الاستراتيجية، وإن بغلاف مختلف يضع «أمريكا أولاً» لكن دون صلف مع الحلفاء. لذا يعود بايدن للمؤسسات الدولية التي خرج منها ترامب، وإلى اتفاق مكافحة المناخ عالمياً، وإلى الاتفاق النووي مع إيران وغير ذلك في محاولة لاستعادة دور أمريكي في مواجهة الصعود الصيني ومناورات روسيا. وليس لدى التحالف الغربي في قيادة واشنطن ذلك الجهد، خاصة وأنه من الصعب تصور الغرب من دون قيادة أمريكية وليس هناك من يمكن أن يحل محل واشنطن في ذلك المقعد على رأس طاولة التحالف.
لكن عملياً، لن يستطيع بايدن الانقلاب تماماً على السياسات الأمريكية السابقة. فعلى سبيل المثال، فرضت الحكومة الأمريكية قبل أسبوع من قمة مجموعة السبع عقوبات على بريطانيا وخمس دول أخرى لفرضها ضريبة رقمية على شركات تكنولوجيا أمريكية. وكل ما فعله الرئيس بايدن أنه علق تنفيذ تلك العقوبات إلى ما بعد القمة. ليس هذا فحسب، بل إن أغلب العقوبات الأمريكية على دول العالم بما فيها الدول الحليفة لأمريكا سواء التي فرضت في عهد ترامب أو قبله لم تلغ. أيضا خلال قمة مجموعة السبع تمت مناقشة الاتفاقيات التجارية بين الدول والكيانات الغربية مع التأكيد على أن تكون «عادلة ومرضية».
لا يعني ذلك أن عودة واشنطن لقيادة التحالف الغربي لا تستحق الاهتمام، على العكس تماماً. لكنها في الوقت نفسه ليست تلك «العودة» التي تستحق التضخيم. ففي النهاية، ليس العالم كما هو قبل عقد أو عقدين من الزمن، ولا حتى قبل سنوات ترامب الأربع، بل ولا حتى هو العالم نفسه قبل أزمة وباء كورونا. ويبدو أن أزمة وباء كورونا هي العامل الأهم هنا في «عودة الضرورة» تلك. فما يسمى التحالف الغربي ظهرت كل عيوبه في عز أزمة الوباء العام الماضي، وظهر أنه حتى الكيانات التي ترتبط قانونياً (مثل الاتحاد الأوروبي) لم تكن موحدة في مواجهة الأزمة. أيضاً ليست الولايات المتحدة كما كانت من قبل، وإن ظلت طبعاً تحتفظ ببعض مقومات القيادة والريادة – خاصة مرونة اقتصادها وقوتها العسكرية والتكنولوجية.
في النهاية، لن تعيد قيادة أمريكا مجدداً للغرب ما قد يكون تسرب من عوامل القوة الغربية، خاصة الاقتصادية، لصالح الصين وغيرها من القوى الصاعدة. كما أن عودة واشنطن من خلال المؤسسات القديمة وتركيبة وآليات سابقة تدهورت إلى حد كبير لن يحدث فارقاً جوهرياً في النظام العالمي. حتى محاولة البحث عن هدف مشترك، مثل التصدي للصعود الصيني والروسي، قد لا يحقق نتائج مهمة. مع ذلك، لا بأس من الاحتفاء «الإعلامي» والخطاب الانشائي عن تلك العودة لواشنطن التي تبدو وقد تقلصت إلى قيادة «تحالف غربي» وليس «قيادة العالم».