الشرق اليوم- تشهد الديموقراطية في الهند تراجعاً مقلقاً، فحسب قائمة صحيفة “إيكونوميست”، تراجع البلد من المرتبة 35 في عام 2006 إلى المرتبة 53 اليوم، وتشكّل مظاهر إضعاف الديموقراطية في هذا البلد جرس إنذار للمراقبين الخارجيين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
يبدو أن مصير الديموقراطية في الهند قد يُحدد مسارها في أنحاء العالم، ففي الوقت الراهن، لا تبدو المؤشرات واعدة ويُفترض أن تشكّل هذه الظروف تحذيراً قوياً لجميع الأطراف الأخرى.
تشهد الديموقراطية في الهند تراجعاً مقلقاً، فحسب قائمة صحيفة “إيكونوميست”، تراجع البلد من المرتبة 35 في عام 2006 إلى المرتبة 53 اليوم، وتشكّل مظاهر إضعاف الديموقراطية في هذا البلد جرس إنذار للمراقبين الخارجيين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وراء هذا التراجع في الهند وأماكن أخرى، يسود رفض عام للمبدأ الديموقراطي الأساسي الذي يطالب بالمساواة بين جميع المواطنين، ويتبنى “حزب بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند إيديولوجيا “هندوتفا” التي تضمن تفوّق الأغلبية الهندوسية على الأقليات الدينية، فقد ظهرت هذه العقلية منذ قرن من الزمن وتحوّلت من حركة هامشية إلى محور السياسة الوطنية، وكانت تستهدف في المقام الأول مسلمي الهند الذين يشكّلون 14% من السكان، وإذا تحوّلت الهند من ديموقراطية علمانية (كما ينصّ عليه دستور البلد) إلى أمة هندوسية، فسيصبح 276 مليون شخص غير هندوسي مواطنين من الدرجة الثانية.
يرضخ النظام القضائي في الهند لرغبات السياسيين منذ عام 2014، كذلك زاد الهجوم على الصحافة الهندية علناً، ومنذ أقل من شهر، وافقت مواقع “تويتر” و”فيسبوك” و”إنستغرام” على طلب الحكومة الهندية بحظر منشورات بعض الصحافيين، حيث تقوم تلك المنصات بمراجعة قرارات الحظر اليوم، لكن المطالب الحكومية حققت هدفها، ويفضّل عدد كبير من الصحافيين الهنود المشاكسين اختيار كلماتهم بحذر الآن.
من خلال إضعاف أسس المجتمع المدني بهذه الطريقة، زادت سهولة تطبيق المرحلة اللاحقة من برنامج ناريندرا مودي، أي استعمال آليات الديموقراطية لإضعاف جوهر الديموقراطية.
في عام 2019، عاد مودي إلى السلطة بعدما حصد أغلبية مطلقة في البرلمان، وبعد فترة قصيرة، ألغى “المكانة الخاصة” التي يعطيها الدستور لولاية جامو وكشمير (الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة)، فقد قوبلت الاحتجاجات في كشمير بحملة قمع امتدت على أشهر طويلة، ثم اتخذ مودي خطوات تضمن تفوّق الهندوس على المسلمين في أنحاء البلد بطريقة رسمية وغير رسمية، وبلغت التظاهرات ضد هذه التحركات ذروتها في ديسمبر 2019 ولم تنتهِ إلا بسبب تدابير الإقفال التام في زمن كورونا بعد ثلاثة أشهر.
قد تبدو هذه الأحداث كلها مألوفة بالنسبة إلى الأمريكيين، فقد اعتبر الرئيس السابق دونالد ترامب الصحافة “عدوّة الشعب” وحاول ترهيب القضاة، كذلك، تسمح القوانين التي مرّرتها ولاية جورجيا حديثاً وتم اقتراحها في أماكن أخرى للمسؤولين الحزبيين في الولايات بتحديد نتيجة الانتخابات بدل الناخبين، وقد يتماشى هذا الوضع مع بنود الدستور من الناحية التقنية، لكنه يتعارض مع مبادئ الديموقراطية.
قد يكون الرضا عن النفس أخطر تهديد على الإطلاق، ونتيجة تصفّح الأخبار السيئة على “تويتر” طوال الوقت أو تجاهل السياسة بالكامل، يثق معظم الأمريكيين بأن الديموقراطية ستصمد في مطلق الأحوال، لكن إلى أي حد هذا التوقع صحيح؟ لا تُعتبر الديموقراطية الأمريكية راسخة بقدر ما يظن الكثيرون، إذ لم يتمكن نصف السكان (وتحديداً النساء) من التصويت قبل عام 1920، واضطر الأمريكيون السود في الولايات التي تطبّق قوانين جيم كرو لانتظار نصف قرن آخر للحصول على حق التصويت، وإذا كان تقييم الوضع يرتكز على الاقتراع العام، فلا بد من التساؤل: منذ متى أصبحت الولايات المتحدة ديموقراطية حقيقية؟ الجواب: منذ فترة أقصر من بدء جولات فرقة “رولينغ ستونز”!
لهذا السبب، يجب أن يُركّز الأمريكيون على السياسة في الهند، فالولايات المتحدة لا تشبه أيسلندا، فهي دولة ضخمة ومتنوعة ويصعب حُكمها، واختبر بلد واحد آخر بالحجم نفسه والتعقيدات عينها تجربة الديموقراطية المتواصلة والعابرة للأجيال، وهذا يعني فشل النظام في الهند وهو قابل للفشل في أماكن قريبة من الولايات المتحدة أيضاً.
ترجمة: صحيفة الجريدة