By: José Antonio Ocampo, Tommaso Faccio
الشرق اليوم- كانت ردود الفعل واسعة النطاق على الاتفاق الأخير الذي توصل إليه وزراء مالية مجموعة الدول السبع، بشأن الحد الأدنى لمعدل ضريبي عالمي فعال “لا يقل” عن 15٪ بالنسبة للشركات الكبرى متعددة الجنسيات، تاريخية وحاسمة وثورية. وشمل الاتفاق صيغة جديدة لتوزيع حصة من عائدات ضرائب هذه الشركات على الدول.
ولكن أياً كانت الصفقة الضريبية العالمية التي تُبرم في نهاية المطاف، يجب أن تعكس مصالح العالم- بما ذلك البلدان النامية- وليس فقط مصالح سبعة اقتصادات كبرى ومتقدمة. إذ يعتمد العالم النامي بدرجة أكبر على عائدات ضرائب الشركات، ومن ثم، فهو أكثر المتضررين من التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات، مما يؤدي إلى خسائر في الإيرادات العالمية لا تقل عن 240 مليار دولار كل عام.
ولا تشارك العديد من الاقتصادات النامية- والبلدان ذات الدخل المنخفض على وجه الخصوص- حتى في المفاوضات بشأن الإطار الشامل ذي النطاق الأوسع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين بشأن تقلص الوعاء الضريي ونقل الأرباح. فقد مُثل المشاركون منها بالفريق الحكومي الدولي لمجموعة الأربعة والعشرين، والمنتدى الأفريقي لإدارة الضرائب، اللذين ينسقان مواقف الأعضاء الناشطين في المفاوضات. ويشارك بعض أعضاء مجموعة ال24، بما في ذلك الأرجنتين، والبرازيل، والهند، والمكسيك، وجنوب أفريقيا، أيضا في مجموعة ال20.
إن أول ما يثير القلق فيما يتعلق بصفقة مجموعة السبع هو أن معدل الضريبة الأدنى المقترح البالغ 15٪ منخفض، وهو قريب من المعدلات في الملاذات الضريبية مثل سويسرا وأيرلندا. ويعكس هذا تفضيل العديد من دول مجموعة السبع لحماية الشركات متعددة الجنسيات الخاصة بها بدلاً من اتباع نهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي دعت في البداية إلى تحديد معدل أدنى عالمي في نسبة 21٪.
وفضلا عن ذلك، بموجب الاقتراح الحالي، ستوجَه غالبية الإيرادات الضريبية الإضافية إلى البلدان الأصلية للشركات متعددة الجنسيات، وليس إلى ما يسمى ببلدان المصدر حيث تُحقق هذه الشركات أرباحًا. وليس غريبا أن يرغب أعضاء مجموعة الأربعة والعشرين في إعطاء دول المصدر الأولوية في تطبيق الحد الأدنى للضرائب، لا سيما فيما يتعلق بسداد الخدمات ومكاسب رأس المال، من أجل حماية قاعدتهم الضريبية. إن إعطاء الأولوية للبلدان الأصلية للشركات العالمية سيعزز الظلم المتضمَن بالفعل في النظام الضريبي الدولي الحالي بدلاً من تخفيفه.
ويعتمد مقدار الإيرادات التي يولدها الحد الأدنى الضريبي على معدل هذا الأخير. إذ تشير دراسة حديثة أجراها مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي، إلى أن المعدل الأدنى البالغ 21٪ سيولد 100 مليار يورو إضافية (122 مليار دولار) من عائدات ضريبة الدخل على الشركات في عام 2021، في 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، في حين أن ضريبة 15٪ ستنتج نصف هذا المبلغ. ويتضح الفرق أكثر بالنسبة للبلدان النامية. وبمعدل ضرائب بنسبة 15٪، من المتوقع أن تكسب جنوب إفريقيا والبرازيل 600 مليون يورو و900 مليون يورو على التوالي، مقارنة بـ 2 مليار يورو و3.4 مليار يورو بمعدل 21٪.
ونظرًا لأن معظم البلدان الأفريقية لديها معدلات ضرائب على الشركات تتراوح بين 25 و35٪، فإن المعدل العالمي البالغ حوالي 15٪ هو ببساطة منخفض جدًا، ومن ثم، من غير المحتمل أن يقلص إلى حد كبير من نقل الأرباح من المنطقة. ويجب على دول مجموعة السبع ومجموعة العشرين إظهار ريادتها العالمية من خلال الالتزام من جانب واحد بالرفع من الحد الأدنى الضريبي إلى معدل أكبر مما اتُفق عليه مؤخرا. ويجب أن يكون هذا على الأقل 21٪، كما اقترحت الولايات المتحدة، أو 25٪ وهي نسبة أفضل.
ويقدم الجزء الثاني من اتفاقية G7 صيغة لتقسيم الأرباح العالمية للشركات متعددة الجنسيات لأغراض ضريبية. ولكن الاقتراح سيطبق فقط على أكبر الشركات التي لديها هوامش ربح عالمية لا تقل عن 10٪. وستخضع نسبة 20٪ على الأقل مما يسمى بأرباحها “المتبقية” التي تتجاوز هذا الحد للضريبة في البلدان التي تعتبر مصدرا لهذه الأرباح.
وعلى الرغم من أن هذه القاعدة الجديدة ستؤثر على عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة مثل (أبل)، و(فيسبوك)، و(غوغل) ، فقد تطَبق في النهاية على جزء ضئيل فقط من الأرباح العالمية لمائة أو نحو ذلك من أكبر الشركات متعددة الجنسيات. وهذا يعني أن هذا الإجراء بالكاد سيولد إيرادات إضافية، ربما أقل من 10 مليارات دولار سنويًا على مستوى العالم.
وطالبت مجموعة الـ24 بإعادة تخصيص أكبر للأرباح العالمية، حيث تتراوح نسبة إعادة التخصيص من 30٪ إلى 50٪ للشركات الأكثر ربحية. كذلك، طلب منتدى إدارة الضرائب الأفريقية تطبيق القوانين على جميع الشركات متعددة الجنسيات التي تزيد عائداتها السنوية عن 250 مليون يورو، أي أقل بكثير من العتبة المقترحة لمجموعة الدول السبع البالغة 10 مليارات دولار، ويقول بأن النسبة المئوية من جميع الأرباح العالمية، سواء كانت روتينية أو متبقية، يجب أن تطبق على البلدان التي تنشط فيها هذه الشركات.
والواقع أنه ليس من الممكن التمييز من الناحية المفاهيمية بين الأرباح “الروتينية” و”المتبقية” لشركة متعددة الجنسيات، حيث أن جميع الأرباح هي في الأساس نتيجة للأنشطة العالمية للشركة. والحل الأبسط هو توزيع الأرباح العالمية بين البلدان على أساس معادلات، وفقًا للعوامل الرئيسية التي تولد الربح، وهي العمالة، والمبيعات، والأصول.
وستساعد مثل هذه القاعدة على تحقيق أكبر قدر من المساواة، والحد من الاختلالات، ومن فرص التهرب الضريبي، وتوفير اليقين للشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين. وفي المقابل، فإن التمييز الذي اقترحته مجموعة الدول الصناعية السبع- بين الأرباح الروتينية وتلك المتبقية- يعكس اتفاقًا سياسيًا لتجنب إعادة تخصيص عالمية بعيدة المدى للضرائب والإيرادات.
ويبدو أن المفاوضات الضريبية العالمية تعكس مناقشات لقاح كوفيد-19 الجارية في منظمة التجارة العالمية، حيث يمنع قادة الاتحاد الأوروبي الاستثناء المؤقت لحقوق الملكية الفكرية التي تطالب بها البلدان النامية، وتدعمها الولايات المتحدة. وفي كلتا الحالتين، تتطلب القيادة العالمية تجاوز المصالح الوطنية لضمان أن جميع البلدان لديها موارد كافية لتطوير اقتصادات أكثر إنصافًا ومرونة في مرحلة ما بعد الوباء. وسيتطلب ذلك معالجة مطالب العالم النامي بطريقة ليست تاريخية فحسب، بل عادلة أيضًا.