بقلم: محمد صلاح – النهار العربي
الشرق اليوم- لم تصل مصر الى الحال الذي صارت عليه بسهولة وإنما دفعت مصر ثمن ركود أصابها لسنوات جرى خلالها تجريف الكفاءات والاكتفاء في إدارة أمور الدولة بفئة من المحظوظين استفادت من الموارد وتقسيم العوائد، بينما باقي فئات الشعب ظلت تعاني التهميش والاستبعاد… أو قل الاقصاء. لم يكن من المنتظر من نظام حكم ما بعد “الإخوان” أن يفوق ما كان مطلوباً من حكم حسني مبارك أو المجلس العسكري أو محمد مرسي، فمصر خرجت من مأساة كبيرة، والشارع ضارب في الفوضى، والإرهاب يدق سيناء وينشر شظاياه في محافظات ومدن اخرى، والاقتصاد في حال انهيار و”الإخوان” لا يتوقفون عن التخريب بينما المنصات الاعلامية القطرية والتركية ومعها وسائل إعلام غربية لا تكف عن نشر الإحباط وتوزيع الاتهامات وممارسة الاغتيال المعنوي لكل شخص اعترض على حكم “الإخوان” أو ساهم في الاطاحة بهم.
نعم تغيّرت مصر، ويكفي أن يجول شخص في شوارعها ومدنها ومحافظاتها ليدرك على أرض الواقع حجم التطورات التي حدثت لدولة واجهت كوارث الربيع العربي فعبرتها ودخلت المرحلة التي يطلق عليها المصريون في ذكرى ثورة 30 حزيران (يونيو): الجمهورية الجديدة.
واجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي معضلات جمة تناسبت مع حجم مصر والتغيرات والتطورات الدراماتيكية التي مرت بها في السنوات الأربع التي أعقبت عواصف الربيع العربي. لم تكن الأوضاع وردية تماماً، وإنما مملوءة بالمشاكل والصعوبات، بعضها كان معروفاً وظاهراً وبديهياً كالتحدي الأمني ومواجهة الإرهاب في سيناء وباقي المدن المصرية والتعامل مع جماعة “الإخوان المسلمين” وقادتها وعناصرها الذين ساروا في الطريق الذي اختاره التنظيم الدولي بالمواجهة حتى النهاية، وكذلك بالطبع التعامل مع فئات من الشباب أغلقوا عقولهم على ما فيها من أفكار رغم ثبوت خطئها أو فداحة الثمن الذي دفعته البلاد لترجمة أفكارهم إلى تصرفات وسلوك، ناهيك بالطبع بالتحدي الاقتصادي والمطالب الحياتية للناس، وكذلك تدبر موارد للإنفاق على الدعم الموجه للمحروقات والكهرباء والغذاء، ومعالجة أوضاع التعليم المتدنية والمستشفيات المتهالكة وإعادة الحياة إلى مؤسسات في الدولة أصابها الركود لسنوات، علاوة على النهوض بأوضاع الصحة والمستشفيات وباقي الخدمات المتردية، وأيضاً الانتباه إلى محاولات بعضهم لاستغلال فترة التحول السياسي للظهور في صدارة المشهد رغم تاريخهم المرتبط بالفساد.
كل ذلك أدركه السيسي نفسه وكذلك محبوه ومؤيدوه وهم كُثر، لكن المعضلة الأساسية التي قد تكون واجهت الرجل تعلّقت بغياب الكوادر التي يمكن أن يضخها في دولاب العمل اليومي لمؤسسات الدولة خصوصاً بعد مرحلة حرق الشخصيات العامة والتي أفضت إلى استبعاد بعض أصحاب المهارات والكفاءات لارتباطهم بنظام مبارك لفترة حتى لو كانوا غير متورطين في فساد مالي أو سياسي. وعلى الجانب الآخر هناك من ظهروا وسطعوا بعد الثورة لكن التطورات بعدها تسببت في حرقهم أيضاً كما حال من دعموا “الإخوان” أو تعاونوا معهم، وكذلك من ثبت أن نياتهم في مسألة الثورة لم تكن خالصة من أجل الوطن وإنما ارتبط سلوكهم بعلاقات مع جهات غير مصرية، علاوة على أولئك الذين أسندت إليهم مناصب رسمية أو حقائب وزارية من رموز الثورة ثم تبين أن مهاراتهم وكفاءاتهم وقدراتهم تنحصر في حشد الناس أو الهتاف من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية فقط، أما أداؤهم في المواقع التي شغلوها فكان كارثياً! صحيح أن كثيرين تطوعوا بعد رحيل “الإخوان” للحديث إلى الإعلام، بمن فيهم إعلاميون، وكأنهم رجال الرئيس، لكن الواقع أثبت أن الرجل استكمل فريقه بعدما دقق في الأسماء التي عرضت عليه، وتأنى حتى لا يقع في الاختيارات الخاطئة.
احتاج السيسي إلى بعض الوقت وكثير من البحث والتدقيق في الاختيار، كلما أراد أن يضخ دماء جديدة في الماكينة الادارية للدولة في مختلف مستوياتها، ومرت مصر بمرحلة ديناميكية لا تحتمل رفاهية الانتظار طويلاً أو الركود، وتلك كانت معضلة السيسي. لا يمكن لأي محايد أن ينكر أن مصر تتغير إلى الأفضل وسط عواصف وأجواء غير مواتية وظروف داخلية طغى عليها مشهد مواجهة الإرهاب وعنف “الإخوان”، لكن رغم تلك الأجواء الملتهبة ظل الجيش متماسكاً والدولة موحدة.