الشرق اليوم- ذهبت الأغلبية العظمى من جرعات لقاح كوفيد 19 التي أُنـتِـجَـت حتى الآن (2.5 مليار جرعة) إلى أكثر البلدان ثراء، وحصلت بلدان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا على أقل من 2%، ونتيجة لهذا حصل 2% فقط من سكان المنطقة على جرعة اللقاح الأولى، وأصبح 0.2% منهم فقط محصنين بشكل كامل.
يُـعَـد مؤتمر قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (مجموعة السبع)، الذي انعقد يوم الجمعة، المرة الأولى التي يلتقي فيها قادة العالم وجها لوجه منذ ما يقرب من العامين، وهو الاجتماع الأول من نوعه الذي شارك فيه جو بايدن بصفته رئيسا للولايات المتحدة، والأخير الذي تشارك فيه أنجيلا ميركل بصفتها مستشارة ألمانيا، وهذا الاجتماع أول اختبار لما يعنيه حقا شعار “بريطانيا العالمية” الذي كثيرا ما يُـقـتَـبَـس عن رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون. عندما نفكر في اجتماعات قمة مجموعة السبع السابقة، لن يتذكر معظمنا إلا القليل فضلا عن فُـرَص التقاط الصور الأنيقة التصميم للقادة، ولكن في مناسبات نادرة، من الممكن أن تحقق مجموعة السبع اختراقات سياسية حقيقية، وهو ما حدث في عام 2009، عندما نجحت قمة مجموعة الثماني التي استضافتها إيطاليا، بالتشاور مع القادة الأفارقة، في فتح آفاق جديدة في مجال التنمية الدولية، وفي تقديمي لهذه الدورة، أتذكر أنني قصصت على زملائي القادة نبأ تلميذ من رواندا وجد نفسه عالقا في وطيس حرب الإبادة الجماعية في تسعينيات القرن العشرين، وهي القصة التي يخلدها الآن متحف الإبادة الجماعية التذكاري في كيغالي، حيث يجد الزائر في قسم مخصص للأطفال صورة لذلك الطفل ولوحة معدنية تقول:
الاسم: ديفيد
العمر: أحد عشر عاما
الطموح: العمل كطبيب
الرياضة المفضلة: كرة القدم
الهواية المفضلة: إضحاك الناس
سبب الوفاة: التشويه البدني
آخر كلماته: الأمم المتحدة قادمة لإنقاذنا
في مثاليته وبراءته، تصور ديفيد أن المجتمع الدولي سينقذه هو وأمه، لكننا لم نفعل، وتكررت قصة ديفيد على لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني، واتفقنا جميعا على أن المجتمع الدولي لم يفعل إلا أقل القليل لمساعدة الناس المعرضين لخطر مُـهلِـك، وأعلن بياننا الرسمي اعتزامنا بذل قدر أعظم كثيرا من الجهد.
مرة أخرى، يجب أن تكون قضايا الحياة والموت، وتكاليف التقاعس عن العمل، في صدارة أجندة مجموعة السبع، وإن فشلنا حتى الآن في البناء على إنتاج لقاحات آمنة وفَـعَّـالة لمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19) من خلال تطبيق خطة لتحصين كل سكان العالم أمر غير مقبول، لقد أودت جائحة كوفيد19 بحياة 3.8 ملايين إنسان حول العالم حتى الآن، وفي كل أسبوع، يموت 80 ألف شخص آخرين، وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن أعضاء مجموعة السبع هم الذين سيقررون من يتلقى التطعيم ويأمن شر المرض ومن يظل غير محصن وعُـرضة للخطر.
في الأيام القليلة الأخيرة، عرضت الولايات المتحدة تقديم 500 مليون جرعة من لقاح فايزر-بيونتِك إلى البلدان النامية، وربما تقدم المزيد، ومن المتوقع أن تقدم المملكة المتحدة 100 مليون جرعة، وسيستجيب آخرون أيضا.
لكن الأرقام المذكورة هنا أقل كثيرا من العدد المطلوب (11 مليار جرعة)، فنحن في احتياج إلى تدفق مستمر على مدار الأشهر القليلة المقبلة وما بعدها للوفاء بتعهد جونسون بتطعيم العالم بأسره بحلول نهاية عام 2022، ويتطلب تحقيق هذه الغاية توافر التمويل المضمون والشراء المجمع الذي يؤدي بدوره إلى إنشاء قدرة تصنيع جديدة وخط أنابيب آمن لإمداد اللقاحات في كل قارة، فنحن في احتياج إلى قرار لتمويل كل هذا الآن إذا كان لنا أن نتمكن من تجنب الانزلاق إلى الحلقة المفرغة المألوفة حيث يفشل العالم في تأمين التكاليف الضرورية ونعجز عن توفير الإمدادات التي نحتاج إليها من اللقاحات.
الواقع أن الـنُـذُر غير مشجعة على الإطلاق بالنسبة إلى أفقر بلدان العالم.
ذهبت الأغلبية العظمى من جرعات لقاح كوفيد19 التي أُنـتِـجَـت حتى الآن (2.5 مليار جرعة) إلى أكثر البلدان ثراء، وحصلت بلدان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا على أقل من 2%، ونتيجة لهذا حصل 2% فقط من سكان المنطقة على جرعة اللقاح الأولى، وأصبح 0.2% منهم فقط محصنين بشكل كامل، واعتبر كبير الأساقفة الأنجليكانيين في كيب تاون، ثابو ماكجوبا، هذا الوضع “تمييزا عنصريا في توزيع اللقاح”، واليوم، مع ارتفاع معدلات الإصابة بعدوى كوفيد19 في إفريقيا بنحو 25% أسبوعيا، تواجه أفقر بلدان العالم مشكلتين ربما لا يتسنى حلهما إلا من خلال مجموعة السبع: أولا، لن تتمكن هذه البلدان من احتواء انتشار المرض إذا اضطرت إلى الوقوف في طابور هذا الصيف والخريف في انتظار المتبقي من الجرعات الغربية، والتي لن يصل أغلبها حتى العام المقبل، وثانيا، لا يمكنها الوصول إلى مستويات التحصين الغربية أو حماية سكانها بالاستعانة بمعدات الاختبار والوقاية الفَـعَّـالة في غياب المزيد من الدعم المالي: تحتاج هذه البلدان إلى 16 مليار دولار إضافية هذا العام، وأكثر من 30 مليار دولار في عام 2022. يوضح اقتراح مقدم من قادة النرويج وجنوب إفريقيا كيف قد يتمكن العالم من جمع الأموال اللازمة، حيث تضع الصيغة التي يعرضها قادة البلدين في الحسبان دخل كل دولة وثروتها، والفوائد المتفاوتة التي قد تحصل عليها من إعادة فتح الاقتصاد العالمي، واعتمادا على قدرتها على المساهمة، ستتكفل مجموعة السبع، إلى جانب كوريا الجنوبية وأستراليا، بنحو 67% من التكاليف (الولايات المتحدة 27%، وأوروبا 22%، والمملكة المتحدة 5%، واليابان 6%، في حين تساهم كل من كندا وكوريا الجنوبية وأستراليا بنحو 2%). وتغطي دول أخرى في مجموعة العشرين، بما في ذلك الصين وروسيا والدول النفطية، بقية التكاليف.
لكن على حد تعبير مارتن لوثر كينغ الابن، “بعد فوات الأوان أمر وارد”، والآن، يحتاج العالم إلى قرار من مجموعة السبع، وإلا ستستمر خسارة الأرواح، ولا يملك العالم ترف التسامح مع التمييز العنصري في توزيع اللقاح.