BY: Ursula Gauthier
الشرق اليوم – تعد تايوان الدولة الصغيرة القريبة من الصين المنطقة الأكثر عرضة للصراع المسلح في العالم، حيث يحلم “العملاق الشيوعي” رغم التحذيرات الأميركية المتكررة بسحق هذا الجيب الديمقراطي المزعج على أطراف دولته.
إن حوالي 23 مليون تايواني لا زالوا يعيشون منذ حوالي 70 عاما -رغم كل التحديات والمخاطر- على بعد 180 كيلومترا فقط من السواحل الصينية، بعد أن تراجعت قوات الزعيم القومي الصيني شيانغ كاي شيك عام 1949 أمام تقدم قوات زعيم الحزب الشيوعي وقائد الثورة الصينية ماو تسي تونغ وتحصنت داخل هذه الجزيرة البركانية.
وكانت تشكل هذه “الصين الثانية” بالنسبة لماو رمز إهانة دائما للسلطة الشيوعية، فتحول مضيق تايوان الفاصل بين البلدين طوال عقود إلى مسرح لاشتباكات متواصلة، حتى أن العالم كان على شفا حرب نووية عام 1958 بعد أزمة تسبب فيها ماو، الذي أمر قوات الجيش بقصف جزر صغيرة في تايوان.
أظهر تقرير كشف عنه مؤخرا أن جنرالات أميركيين كانوا آنذاك يتخوفون من أن تستهدف الصين العاصمة التايوانية تايبيه ووجهوا بإلقاء قنابل نووية على البر الصيني، لكن الرئيس الأميركي حينئذ دوايت أيزنهاور، لم يأخذ بنصيحتهم، وانتهت الأزمة بوقف إطلاق نار روتيني بين الطرفين.
بعدها شهدت تايوان نموا اقتصاديا مذهلا، جعلها واحدة من “التنانين الآسيوية الأربعة”، إلى جانب هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية، في حين كانت الصين الشعبية تغرق كل يوم في بؤس الماويين، وأدى تحرير نظام تايوان السياسي إلى تحولها عام 2000 إلى ديمقراطية حقيقية.
وتسببت كل هذه التطورات التي أخذت البلدين في منحيين أكثر اختلافا وتباينا في مزيد من التوترات المتكررة، لكن من دون أن تتطور الأمور إلى حرب شاملة بينهما، خاصة أن الصين المتمسكة بـ”إعادة التوحيد السلمي” راهنت على العلاقات الاقتصادية والثقافية لتهدئة النزاعات مع مرور الوقت وتقريب الضفتين.
لكن في عام 2016 وضع الزعيم الصيني شي جين بينغ، مجددا خيار إعادة التوحيد باستخدام القوة العسكرية على الطاولة، بعد أن تمكنت الديمقراطية التايوانية تساي إنغ ون من الفوز بالانتخابات الرئاسية، وأعيد انتخابها عام 2020.
ورغم أن تساي القادمة من حزب مؤيد للاستقلال التام عن الصين كان لها موقف معتدل من هذه المسألة، إلا أن شي جين بينغ “رجل الصين القوي” يرى أن مجرد وجود كيان ديمقراطي مستقل في المجال الثقافي الصيني يمثل تحديا لا يطاق.
من المؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، توصلت في الآونة الأخيرة إلى استنتاج مفاده أن بكين “تراودها فكرة التوحيد القسري”، حيث ذكر كيرت كامبل، المختص بالشؤون الآسيوية في البيت الأبيض، لصحيفة فايننشال تايمز، أن “الصين تتصرف بعدوانية مفرطة في كل مكان: في بحر جنوب الصين، وفي أستراليا بشأن القضايا التجارية، وفي أوروبا، وفي الهند بشأن التوترات الحدودية، لكن لا يوجد ملف يعد أكثر تشددا من أنشطتها العسكرية أو الدبلوماسية ضد تايوان”.
وكان هذا التصلب في السلوك الصيني باديا للعيان خلال الفترة الأخيرة؛ ففي سبتمبر / أيلول 2019، عندما هزت احتجاجات ضخمة هونغ كونغ، جاء في تغريدة نشرها أحد حسابات النظام أنه “بمجرد تسوية قضية هونغ كونغ سنقوم بتسوية حساباتنا مع تايوان.. إعادة التوحيد العسكري أمر لا مفر منه”.
وبعد أن تم “تركيع” هونغ كونغ فقدت صيغة “دولة واحدة ونظامان” كل معنى، وهي الصيغة التي سمحت للمستعمرة البريطانية السابقة بالاحتفاظ بشيء من الحكم الذاتي، ولوحت بكين منذ فترة طويلة بهذه الصيغة في تعاملها مع التايوانيين باعتبارها وعدا بتعايش متناغم، إلا أنه بعد نفاد أي مقترحات إضافية تقدم لسكان الجزيرة لم يعد أمام القادة الصينيين خيار آخر سوى الإكراه والقوة.
ترجمة: الجزيرة