بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – كلما اقترب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا، المقررة يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، ازدادت الصورة غموضاً، حتى على المعلقين السياسيين وخبراء القانون، بسبب تزايد حجم هوة الخلاف بين المُصرّين على عقدها في الموعد المقرر والمطالبين بإجراء استفتاء على الدستور قبل عقدها.
الأمر الذي يشكك في إمكانية عقد الانتخابات في الموعد المحدد، وقد يهدد بإدخال البلاد في دوامة لا مخرج منها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يدعم المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا، إقامة الانتخابات في موعدها. ويقوم المبعوث الأميركي في ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، بجهود حثيثة من أجل تحقيق هذا الغرض، تمثلت فيما يصدره من تصريحات، وما يعقده من لقاءات بالعديد من الشخصيات الليبية والعربية والأوروبية.
رئيس المجلس الرئاسي ونائباه، ورئيس الحكومة كلهم حسب تصريحاتهم الرسمية يؤكدون ضرورة إجراء الانتخابات في الموعد المقرر. وحرص رئيس المجلس الرئاسي السيد محمد المنفي، على زيارة مفوضية الانتخابات، والالتقاء برئيسها وأعضائها وحثهم على العمل من أجل تحقيق الهدف المأمول والمطلوب، للخروج من الوضعية الراهنة.
بالعودة إلى الجدال بين الفرقاء يكون من المهم الإشارة إلى أن مشروع الدستور الذي سيوضع للاستفتاء أمام المواطنين، وفقاً للإعلان الدستوري قد انتهي من إقراره من قبل الهيئة التأسيسية للدستور المنتخبة، في شهر يوليو (تموز) 2017، بعد نيله موافقة أكثر من ثلثي أعضاء اللجنة كما ينصّ القانون، إلا أن الظروف الأمنية غير المواتية، فيما يبدو، لم تشجع على عرضه على المواطنين للاستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض. ويرى البعض من المعلقين السياسيين في المشهد الليبي أن إثارة أمره في الوقت الحالي، وقبل أشهر قليلة من عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية يدخل في دائرة المناورة السياسية من قبل التيار الإسلاموي تحديداً للحيلولة دون عقد الانتخابات، خوفاً من تعرضهم لهزيمة انتخابية ثالثة، وإمكانية خروجهم من المشهد السياسي.
الإسلاميون، في الحقيقة، ليسوا وحدهم من يعملون على تأجيل الانتخابات، بل توجد أيضاً أطراف وشخصيات عديدة من القوى المستفيدة من الحالة الراهنة، إضافة إلى البعض من أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور. حيث كتب أحدهم، في وسائط الإعلام الاجتماعي موضحاً أن «الدعوة للاستفتاء على مشروع الدستور إلى جانب أنها حق دستوري ينصُّ عليه الإعلان الدستوري المؤقت، ووجب الالتزام به لكل من يدعو إلى قيام دولة القانون والمؤسسات، فهي أيضاً تهدف إلى إنهاء المراحل الانتقالية، والذهاب إلى الوضع الدائم، والوصول إلى مرحلة الاستقرار. المراحل الانتقالية لا توصلنا إلى حل دائم، ولكنها تعني بقاء الوضع على ما هو عليه، وتغير واجهات السلطة ليس إلا، وهي لا تختلف عما حصل خلال تولي الحكومات المتعاقبة خلال العشر سنوات الماضية». وهو لتلك الأسباب يقترح إجراء الاستفتاء يوم 24 ديسمبر أولاً، على أن يعقبه إجراء الانتخابات بعد شهرين أو ثلاثة.
المشكلة – كما يقول معلقون – أن المسودة المقترحة التي ستعرض على المواطنين الليبيين للاستفتاء مثيرة للجدال، بسبب بعض بنودها التي لا تحظى بقبول شعبي عام. وعرضها للاستفتاء العام بشكلها الحالي يعني مواجهة إمكانية الرفض بدرجة عالية، وبالتالي إعادتها إلى الهيئة التأسيسية لتعديلها أو لتغييرها. وهذا يعني فعلياً الاستمرار في ركل ودحرجة الكرة إلى الأمام، ما يؤدي إلى تأجيل الانتخابات.
أضف إلى ذلك، بروز مشكلة اختيار الرئيس، حيث أغلبية المواطنين يفضلون اختياره بالتصويت المباشر، في حين أن كثيراً من الشخصيات السياسية في المشهد ترى ضرورة اختياره من قبل البرلمان. واقترح فريق من الخبراء عقد انتخابات برلمانية فقط، على أن يستمر المجلس الرئاسي الحالي في أداء منصب الرئيس، وبهدف إجراء انتخابات رئاسية فيما بعد، اللجنة القانونية لملتقى الحوار السياسي الليبي اجتمعت مؤخراً لوضع القاعدة الدستورية للانتخابات، ولحل هذه الإشكالية. وفشلت في الوصول إلى اتفاق. وقامت بدورها بتحويل نقطة الخلاف إلى ملتقى الحوار السياسي الليبي للنظر فيها. وحذّر حراك «من أجل 24 ديسمبر» من التلاعب بحق الشعب في انتخاب مباشر لرئيسه، ومؤكداً عدم قبوله لمصادرة هذا الحق، ومهدداً بالنزول إلى الشوارع ضد أي آلية أخرى. وصدر في اليومين الماضيين بيان بأسماء 52 نائباً برلمانياً و91 عضواً بمجلس الدولة يدعمون فيه إجراء الانتخابات في موعدها وانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. وتفادياً للتأخير اقترحوا تبنّي مشروع الدستور المنجز كونه حظي بموافقة أغلبية أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور على أن يكون ذلك لمدة دورة رئاسية وبرلمانية واحدة.
الجدير بالإشارة أن هذا التزاحم والتدافع بالآراء من قبل السياسيين والمعلقين والخبراء حول هذه الإشكالات أدى إلى التغاضي عما تمثله المشكلة الأمنية من مطبّات أمام العملية الانتخابية. فالبلاد واقعياً مقسمة قسمين، وفعلياً تحت سلطتين وليس واحدة. والطريق الساحلي الرابط بين مدن الساحل الليبي مغلق في منطقة الوسط منذ نهاية حرب العاصمة، وعلى جانبيه ما زال يحتشد مقاتلون ليبيون وسوريون وروسيون وتشاديون، في حالة استعداد.