الرئيسية / مقالات رأي / فضائح ترامب تلاحق بايدن إلى أوروبا

فضائح ترامب تلاحق بايدن إلى أوروبا

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم – قبل أيام، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن وزارة العدل خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، قامت بخطوة سافرة وغير معهودة، حين طلبت من شركة آبل تسليمها معلومات عن الاتصالات الهاتفية لعدد من أعضاء مجلس النواب، من بينهم عضوان ديموقراطيان في لجنة الاستخبارات، هما العضو الديموقراطي الأول في اللجنة آدم شيف، وزميله أيريك سوالويل، ومساعدوهما وأفراد عائلاتهم، بما في ذلك اتصالات قاصر.
وحصلت وزارة العدل آنذاك على أمر قضائي يمنع شركة آبل من إعلام أعضاء الكونغرس أن وزارة العدل قد حصلت على هذه المعلومات، التي بدأ جمعها خلال عامي 2017 و2018 عندما كان جيف سيشين وزيراً للعدل.
خلال تلك الفترة، نشرت صحف مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” وغيرهما من وسائل الإعلام تحقيقات كشفت فيها معلومات محرجة للرئيس ترامب حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية في 2016 واتصالات بعض العاملين في حملة ترامب والمسؤولين الجدد في حكومته بالسفارة الروسية في واشنطن مثل مايكل فلين، أول مستشار أمن قومي في إدارة ترامب. هذه التحقيقات أثارت غضب ترامب الذي اتهم النائب شيف علناً بأنه مصدر تسريب هذه المعلومات عن روسيا لوسائل الإعلام الأميركية، وطالب وزارة العدل، علناً، بالتحقيق بهذه التسريبات.
جاءت هذه المعلومات بعد أيام من كشف وسائل إعلام أخرى أن وزارة العدل خلال تلك الفترة طلبت معلومات مماثلة عن عدد من الصحافيين في صحيفتي “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” وشبكة التلفزيون “سي أن أن”. وعلم النواب والصحافيون أن إدارة ترامب كانت عملياً تتجسس عليهم، فقط بعدما انتهت المدة الزمنية التي فرضها الأمر القضائي على شركة آبل إبقاء طلب وزارة العدل سراً. تجسس وزارة العدل على النواب ومساعديهم لم يؤد الى مقاضاة أو اتهام أي نائب.
تقليدياً، الرئيس الأميركي لا يتدخل في شؤون وزارة العدل، التي يفترض أن تمثل مصالح الشعب الأميركي وليس مصلحة الرئيس، أو أن تكون أداة سياسية في يده يستخدمها ضد خصومه في الكونغرس أو في وسائل الإعلام. ولكن وزارة العدل خلال ولاية ترامب، وتحت إدارة الوزير سيشن، وخلفه وليام بار، تحولت الى أداة سياسية نافرة في يد ترامب، لمساعدته ومستشاريه في الإفلات من العدالة كما حدث مع مايكل فلين، وعدد من مساعدي ترامب خلال حملته الانتخابية.
هذه الممارسات السافرة ذكّرت الأميركيين بآخر مرة حاول فيها رئيس أميركي محاصر، ريتشارد نيكسون، خلال فضيحة ووترغيت في سبعينات القرن الماضي، استخدام وزارة العدل، وتحديداً مكتب التحقيقات الفدرالي “أف بي آي”، وحتى وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)، التي يمنعها القانون من أي نشاطات داخلية، لترهيب خصومه ومنتقديه في الكونغرس وفي وسائل الإعلام. خلال تلك الفترة كان لدى البيت الأبيض ما سُمّي “قائمة بأسماء أعداء” نيكسون من سياسيين وصحافيين.
بين وقت وآخر تقوم وزارة العدل، عبر وسائل قضائية شرعية، بالحصول على الاتصالات الهاتفية لمشرّع أميركي، ولكن هذا يحدث عادة للتحقيق بقضايا فساد مالي أو اتهامات جنائية، ولكن ليس بدوافع سياسية محضة.
وسارع المشرعون الديموقراطيون في مجلسي الكونغرس بالمطالبة بتحقيقات مستقلة بهذه الممارسات، بما في ذلك استدعاء وزيري العدل السابقين جيف سيشن ووليام بار (اللذين نفيا علمهما بهذه الانتهاكات) للمثول أمام اللجان القضائية في الكونغرس. وسارع المفتش العام لوزارة العدل مايكل هورويتز، يوم الجمعة، الى الإعلان عن فتح تحقيق داخلي بهذه الممارسات، التي أدانها البيت الأبيض. حصول وزارة العدل خلال ولاية ترامب على سجلات محادثات أعضاء في مجلس النواب، يشكل انتهاكاً سافراً للفصل بين السلطات التنفيذية والسلطات التشريعية التي يعتبرها الدستور الأميركي متساوية، إضافة الى أنه ينتهك حقوق النواب والصحافيين المستهدفين.
الكشف عن هذه التحقيقات المشينة كان مفاجئاً وغير مفاجئ في الوقت ذاته. مفاجئاً لأن هذه الممارسات استمرت لسنوات ومن دون علم ضحاياها لو لم تعلمهم بذلك شركة آبل، وغير مفاجئ لأنه ينسجم مع جوهر ومضمون سياسات وأساليب ترامب الأوتوقراطية وغير الديموقراطية، وتسييسه للأجهزة الأميركية الخاضعة للسلطة التنفيذية لخدمة أهدافه وأغراضه الشخصية، وهي الممارسات التي أدت إلى محاكمته الأولى.
وفي مؤشر على استمرار هيمنة ترامب على الحزب الجمهوري، تفادى الأعضاء الجمهوريون التعليق على هذه التحقيقات السرية، التي تطال مؤسستهم، كما حاول بعضهم مثل السيناتور تشارلز غراسلي، الادعاء بأن تحقيق وزارة العدل بأعضاء الكونغرس ليس أمراً غريباً، ولكنه لم يقل إن التحقيقات تكون عادة ناتجة من اتهامات جنائية أو تتعلق بالفساد، وليست تحقيقات بدوافع سياسية.
وتزامن الكشف عن هذه التحقيقات، التي تبرز بروزاً سافراً مرة أخرى مدى عمق ثقافة الفساد السياسي التي جلبها الرئيس السابق ترامب ومساعدوه لواشنطن وللمؤسسات والقيم والتقاليد الديموقراطية للولايات المتحدة، مع وصول الرئيس جوزف بايدن الى أوروبا للاجتماع بقادة حلفاء واشنطن في مجموعة الدول السبع وحلف الناتو، ولقائه الأول كرئيس للولايات المتحدة بنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
الأوروبيون، الذين راقبوا عن كثب وبقلق عميق النكسات التي تعرضت لها الديموقراطية الأميركية خلال ولاية ترامب، والذين رحبوا بانتخاب بايدن كرئيس جديد يؤمن بالعلاقات الدولية التي طورتها واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا يخفون قلقهم حول مستقبل الديموقراطية الأميركية، لأن الأضرار التي تسبب بها ترامب لن يتم محوها أو إصلاحها خلال فترة قصيرة، كما أن نفوذ ترامب في الحزب الجمهوري لا يزال قوياً للغاية.
مع وصول بايدن الى أوروبا، نشرت مؤسسة الاستطلاعات بيو Pew استطلاعاً لآراء شعوب الدول الحليفة حول الولايات المتحدة، أظهر ارتياحاً كبيراً لانتخاب الرئيس بايدن وتحسناً في مكانة الولايات المتحدة. ولكن الاستطلاع أظهر أيضاً نواحيَ داكنة حول مستقبل الديموقراطية الأميركية وكيف تنظر اليها شعوب العالم الآن. وعلى سبيل المثال، قال 14 بالمئة فقط من الألمان إن الديموقراطية الأميركية هي مثال يُحتذى، بينما رأى 54 بالمائة منهم أن الولايات المتحدة “كانت مثالاً جيداً في السابق، ولكنها لم تعد كذلك في السنوات الأخيرة”. وأظهر الاستطلاع نتائج متقاربة في دول حليفة أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وكوريا واليابان وأستراليا.
الرئيس بايدن يكرر دائماً القول إن هناك مواجهة عالمية جديدة بين قطبي الديموقراطيات في العالم التي يفترض أن تقودها الولايات المتحدة وقطب الدول الأوتوقراطية الصاعدة، وخاصة في الصين وروسيا، إضافة الى بعض الدول الأوروبية مثل هنغاريا وبولندا وتركيا. بايدن يدرك أيضاً أن الصين استفادت جداً من النكسات التي تعرضت لها الديموقراطية الأميركية خلال ولاية ترامب في تنافسها الدولي مع الولايات المتحدة في الدول النامية. الرئيس بوتين، من جهته، يقول علناً إن بايدن لا يستطيع التبشير بالديموقراطية الأمريكية، وخاصة بعد اقتحام مبنى الكابيتول من قبل مئات المتطرفين والعنصريين المؤيدين لترامب، واعتقال السلطات الأميركية للمئات منهم.
الكشف عن هذه النكسة الأخيرة للديموقراطية الأميركية التي هيمنت على السجال السياسي في واشنطن خلال الأيام الماضية، سوف تزيد من العبء السياسي والأخلاقي لإرث ترامب والظاهرة التي يمثلها في أميركا، والذي حمله مضطراً الرئيس بايدن معه إلى أوروبا، ما يعني أن شبح ترامب سوف يبقى حاضراً خلال لقاءات بايدن مع قادة الحلفاء في بريطانيا وبلجيكا، ومع الأوتوقراطي الروسي المخضرم فلاديمير بوتين في قمة جنيف يوم الأربعاء.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …