بقلم: صدقة يحيى فاضل – صحيفة عكاظ
الشرق اليوم- مرت إسرائيل منذ مطلع العام 2020، بأزمة انتخابية خانقة. فلأول مرة في تاريخها السياسي، تضطر لإجراء الانتخابات البرلمانية لأربع مرات متتالية، خلال ما يقارب السنتين. فيوم 9/أبريل/2019، أقيمت الانتخابات التشريعية الإسرائيلية (للكنيست رقم 21) قبل موعدها الأصلي بسبعة أشهر. وأسفرت النتيجة عن عدم فوز أي حزب بالأغلبية المطلوبة (61 مقعدا، من 120 مقعدا). فاز حزب الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، بـ 35 مقعداً، بينما فاز منافسه الأقوى آنذاك تكتل أبيض/أزرق، برئاسة بيني غانتس ويائير لابيد، بـ 35 مقعداً أيضا. وتوزعت بقية المقاعد (50 مقعداً) بين أحزاب أخرى.. ولعدم تمكن أي حزب من تشكيل حكومة ائتلافية، تقرر حل الكنيست رقم 21، وإعادة الانتخابات، لعلها تسفر عن نتيجة حاسمة.
وبالفعل، تم عقد الانتخابات المبكرة المعادة الثانية يوم 17 سبتمبر 2019، وأسفرت عن حصول تكتل أبيض/أزرق على 33 مقعداً، وحصول الليكود على 32 مقعداً. وبعد مفاوضات مكثفة فيما بين الأحزاب الفائزة، فشل الحزبان الأكبر في إقامة حكومة ائتلافية منهما، أو من أحدهما وغيره من الأحزاب الأصغر. لذا، تقرر «إعادة» الانتخابات التشريعية مرة أخرى.
وبالفعل، عقدت هذه الانتخابات للمرة الثالثة، في شهر مارس 2020، للكنيست رقم 23. وأسفرت بنتائج مشابهة لنتائج انتخابات سبتمبر 2019. وقد تصدرها كل من تحالف أبيض/أزرق (حصل على 33 مقعداً) وتكتل الليكود، وحصل على 36 مقعداً. وائتلفا بالكاد لأشهر. ولكن سرعان ما انهار هذا الائتلاف، كما توقع له المراقبون. واستمرت الأزمة الانتخابية… التي لم تفلح ثلاثة انتخابات تشريعية مكررة متتالية في حلها. كان التصويت على ميزانية الدولة لعام 2020 هو المحك، الذي تقرر على إثره إعادة الانتخابات التشريعية هذه للمرة الرابعة، للكنيست رقم 24 (الحالي).
حيث نص قانون إسرائيلي على أن يتم إقرار ميزانية الدولة لعام 2020 في شهر ديسمبر 2020، وإن لم يتم ذلك تجرى انتخابات تشريعية (رابعة) مبكرة، يوم 23 مارس 2021. وقد فشل الكنيست في إقرار الميزانية في الموعد المحدد، فسقط الائتلاف الحاكم، وأجريت هذه الانتخابات، التي كانت التوقعات تشير أنها ستسفر عن نتيجة مشابهة لنتائج الانتخابات السابقة. وهذا ما حصل بالفعل. ونتطرق اليوم لأهم تداعيات هذه الانتخابات الرابعة، والتي كانت نسبة المشاركة فيها 67.4%.
حصل حزب الليكود على 30 مقعداً. وحصلت الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تميل للائتلاف معه على 29 مقعداً. فلو ائتلفوا، كما كان متوقعاً، يصبح المجموع 59 مقعداً. وفي هذه الحالة، كان الائتلاف الليكودي يحتاج إلى عضوين، ليشكل حكومة ائتلافية ضعيفة، بأغلبية 61، مقابل 59 معارضة شرسة ومتربصة. وكما هو معروف، استمات رئيس الوزراء الإسرائيلي المترجل، ورئيس حزب الليكود نتنياهو، للفوز برئاسة وزراء إسرائيل للمرة الخامسة. فقد تولى هذا المنصب منذ العام 1996، وشغره لمدة 12 سنة. ثم كلفه رئيس إسرائيل يوم 7 أبريل 2021 بتشكيل الحكومة الجديدة.
فشل نتنياهو في تشكيل الوزارة، وتفادى المحاكمة (بتهم الفساد) مؤقتاً. فلم يستطع إقناع عضوين من المعارضين لليكود بالانشقاق والانضمام إلى تكتله، ليصبح حائزاً على أغلبية الـ61 المطلوبة، أو استقطاب القائمة العربية المتحدة، بحزبها الإسلامي الذي انفصل عن الكتلة الرئيسة للأحزاب العربية، وفاز بـ 4 مقاعد، نتيجة المعارضة الشديدة من حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف (وهو جزء من تكتل الليكود) الذي يرفض ارتباط أي حكومة هو فيها بأي حزب عربي. وفشل نتنياهو هذه المرة سيعني الرحيل، ربما نهائياً؛ لأن هناك احتمالاً قوياً بمقاضاته على اتهامات بالفساد، قد تنهي مسيرته السياسية في السجن، كما حصل لسلفه أيهود ألمرت. انتهت المهلة المعطاة لنتنياهو يوم 3 مايو 2021. وأعلن فشله في تكوين الحكومة المطلوبة، فكلف رئيس إسرائيل «يائير لابيد»، رئيس حزب «هناك مستقبل»، بتشكيل الحكومة. وكان للجانب الآخر، أي المعارضين لليكود، والكارهين لنتنياهو، فرصة في مستوى ضآلة فرصة الليكود، لتشكيل ائتلاف مضاد لتكتل الليكود، وصل عدده بالكاد إلى 61 مقعداً، يقوده يائير لابيد، و«نفتالي بينيت»، زعيم حزب «يمينا». إضافة لستة أحزاب أخرى، لها توجهات تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ولعل أول ما ستفعله الحكومة الجديدة سيكون تمرير قانون يحظر على أي مشرع متهم (المقصود هنا نتنياهو) تشكيل الحكومة. وبذلك، لن يصوت البرلمان رقم 24 هذا على «حل» نفسه، وإجراء انتخابات (مبكرة) خامسة.
إذ أبلغ يائير لابيد رئيس الجمهورية، يوم 21/5/2021، بنجاحه في تشكيل الحكومة الجديدة، قبل نهاية المهلة المحددة له (28 يوماً) بساعة واحدة. وبموجب الاتفاق النهائي لتشكيل هذه الحكومة، سيتولى «نفتالي بينيت» رئاسة الوزراء لمدة سنتين. وبعد ذلك، يتولى يائير لابيد رئاسة الوزراء، لسنتين أخريين. وهذا الائتلاف مكون من ثمانية أحزاب سياسية، هي: «يش عتيد» (17)، أزرق/أبيض (8)، إسرائيل بيتنا (7)، العمل (7)، يمينا (7)، أمل جديد (6)، ميرتس (5)، القائمة العربية الموحدة (4). المجموع 61 مقعداً.
وقال منصور عباس، رئيس القائمة العربية، إنه بهذا الائتلاف «حقق إنجازات كبيرة للمجتمع العربي»، داخل الكيان الصهيوني. حيث حصل على تعهدات بدعم هذا المجتمع. ومعروف، أن هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها حزب عربي في ائتلاف حكومي بإسرائيل. ولا يتوقع أن ينعكس ذلك بالإيجاب على سياسة إسرائيل الحالية بشأن المستوطنات، والوضع في غزة، وحل الدولتين.
وفى كل الأحوال، سيكون هذا الائتلاف قابلاً للانهيار في المدى القريب؛ بسبب تنافر مكوناته الثمانية، وتناقض أهدافها. فربما لن يستمر لأكثر من سنة واحدة، تضطر إسرائيل بعدها لإجراء الانتخابات التشريعية الخامسة في حوالي ثلاث سنوات.
قال وقلت:
سألني: لمَ تهتم كثيراً بإسرائيل، وما يجري فيها؟!
أجبته: أفعل ذلك انطلاقاً من كوني عربياً مسلماً، مستقلاً ووسطي التوجه، ومن باب «اعرف عدوك» الألد. وأطمئنك، بأنني أعتبر إسرائيلهم هذه «خضراء دمن».