بقلم: ناجي صادق شراب – صحيفة إيلاف
الشرق اليوم- تساؤلات كثيرة يحملها عنوان المقالة: هل تنطبق على العلاقات بين أميركا وإسرائيل قواعد ومبادئ العلاقات العادية التي تحكم علاقات الدول وأساسها مبدأ المصالح المشتركة ونظرية الواقعية النفعية، فالدول مهمه بقدر منفعتها وتحقيقها لمصالح الدول الأخرى. وقاعدة المنافع والخسائر التي تحكم علاقات الدول لا تنطبق على العلاقات الأميركية الإسرائيلية لا من منظور مالي ولا منظور أمنى أو عسكري، فإسرائيل تتلقى ما يقارب 3,8 مليارات دولار سنويا من الولايات المتحدة ناهيك عن المساعدات العسكرية والالتزام الأميركي بتعويض إسرائيل في أي حرب.
مهم قراءة مقالة ستيفان والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد في فورين بوليسي وعنوانها “حان الوقت لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل، وأن تكون هذه العلاقة كأي علاقة عادية”، وأبرز ما تناولته دراسته أن نتائج ما حدث فى أعقاب الحرب الأخيرة على غزة يظهر أن الولايات المتحدة ينبغي ألا تمنح إسرائيل دعما بلا شروط.
يرى أن كلفة العلاقات او الخسائر أكبر من المكاسب، وان مبرر التأييد الأخلاقي والديمقراطي الذي وقف وراء الدعم الأميركي تاريخيا لم يعد قائما. وكان ينظر للعلاقة على أن إنشاء دولة يهودية باعتباره تعويضا عن العنف واللاسامية في الغرب المسيحي، واليوم أصبحت الدولة اليهودية تعبيرا عن العنف والفصل العنصري ويدفع ثمنه الشعب الفلسطيني منذ 37 عاما.
ويضيف أن إسرائيل ينظر إليها على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، لكنها ليست ديمقراطية ليبرالية كالولايات المتحدة حيث كل الأجناس في أميركا يتمتعون بنفس الحقوق. واستنادا للصهيونية اليهودية من هو دون اليهودي لا يتمتع بنفس الحقوق.
اليوم وبعد عقود طويلة من العلاقات تحطمت أسس العلاقة الأخلاقية، والعلاقات الغير مشروطة، فكل الحكومات الإسرائيلية توسعت فى بناء الاستيطان وأنكرت الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويعاملون في داخلها كمواطنين درجة ثانيه أو ثالثه، واستخدمت القوة والتفوق العسكري لقتل ونشر الرعب في غزة والضفة الغربية، وليس غريبا أن تقدم منظمات حقوق الإنسان كمنظمة بتسليم ذاتها تقارير موثقة واصفة هذه الأعمال بسياسات التمييز العنصري الأبارتهايد.
ولا شك أن التوجه نحو اليمين المتشدد فى إسرائيل أضر بهذه العلاقات حتى لدى بعض الأصوات في أوساط اليهود الأميركيين. وخلاصة قوله كان من المقبول أن إسرائيل تمثل خدمة ومعطى استراتيجي للولايات المتحدة ومع ذلك هذا التقييم تم المبالغة فيه.
وفى نفس الوقت باحث إسرائيلي فى معهد السياسات والاستراتيجية التابع لمركز هرتزيليا آورى أفينطال يقول أن دعم الولايات المتحدة قوى ولكنه ليس شيكا مفتوحا.
ويستنتج من تحليل سلوك إدارة بايدن أثناء الحرب على غزة أنه كلما استمر القتال كلما تحول التأييد الأميركي لإسرائيل إلى مقاربة أكثر توازنا في الكثير من الرسائل والاتصالات الهاتفية التي تطالب بوقف القتال.
رغم تبنى إدارة بايدن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. مظاهر التغيير امتدت لعدد من الديمقراطيين التقدميين الذين يطالبون بوضع شروط لمساعدات أميركيا لإسرائيل. 29 سيناتور من 50 وجهوا دعوة إلى وقف القتال. في حين في أبريل الماضي وقبل الحرب 331 نائبا من الجمهوريين والديموقراطيين من أصل 534 عارضوا وضع شروط على المساعدات المقدمة لإسرائيل. وأكدوا أن المساعدة الأمنية لإسرائيل هي في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وبعيدا عن هذه التحولات، من السابق القول أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية ستتحول كأي علاقة عادية، فتاريخيا ومنذ صدور وعد بلفور الذي كانت وراء صدوره إدارة الرئيس ويلسون، ووصولا بمؤتمر بليتمور الذي عقد 1942 في الولايات المتحدة و بداية التحول والتمركز اليهودي داخل أميركا إدراكا لدورها القيادي العالمي وتنفيذا لسياسة التحالف الاستراتيجي مع الدولة العظمى فى العالم ومرورا بالاعتراف بإسرائيل كأول دولة وبكل الإدارات الأميركية جمهورية وديمقراطية فالقاسم المشترك الدعم الثابت لإسرائيل والالتزام بأمنها وبقائها، ولعل الاستثناء الوحيد لإدارة إيزنهاور بوقف العدوان الثلاثي وانسحاب القوات الإسرائيلية لا ينظر إليه من منظور التخلي عن هذا المبدأ، ومقولة أوباما ورغم توتر علاقاته بنتنياهو: ستظل روابط الصداقة العميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل قوية ولن تتزعزع كما كانت دائما، وفى عهده تم تقديم التزام بتقديم مساعدة 38 مليار دولار على مدار عشر سنوات، لتأتي إدارة ترامب وكل ما قامت به ترجمة سياسات الإدارات السابقة لواقع على أرض بنقل السفارة إلى القدس وقطع المساعدات عن السلطة ووقف الدعم عن وكالة الغوث وغلق مكتب المنظمة لنصل إلى إدارة بايدن الذي تربطه علاقات حميمة بإسرائيل, وتأييده على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والدفاع عنها في مجلس الأمن والحيلولة دون صدور قرار ضد إسرائيل.
ويبقى أن نفهم أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تحكمها عوامل ومحددات تفوق محددات المصالح المشتركة فهناك المعتقد الديني وأكثر من ستين مليون من الأصولية المسيحية الذين يربطون دعمهم لإسرائيل بعودة المسيح المنتظر، والمحدد القيمي الذي يرى في إسرائيل امتداد للنموذج الأميركي، والمحدد السياسي والمتمثل في دور المال والصوت اليهودي وخصوصا في الولايات الكبيرة التي تتحكم في من يفوز بالرئاسة، وقوة اللوبي الصهيوني وتحكمه في وسائل الإعلام هذه المحددات تجعل من العلاقات أنموذجا خاصا، وكل ما رأيناه إرهاصات في التغيير أو تقييم العلاقات ولكن ليس من باب التخلي عن إسرائيل.
السياسة الأميركية تشبه بسياسة الباب المفتوح الكل يمارس تأثيره ونفوذه ففهم ميكانيزمات هذه السياسة هو الخطوة الأولى للتأثير عربيا، وهذه تحتاج لرؤية شمولية تفعل فيها دور الجاليات ودور المال والعمل على وصول مزيد من النواب إلى النواب والشيوخ، ولا شك مثل هذه الخطوة كفيله بإحداث تغيير يكون في مرحلته الأولى أكثر توازنا، وهل يكون الرئيس بايدن آخر رئيس ديمقراطي يؤيد إسرائيل كما يقول الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، ومقولة بايدن مخاطبا نتنياهو: لا أوافق على أي شيء تعمله لكني أحبك!