بقلم: مصطفى فحص – الحرة
الشرق اليوم- يصل الرئيس الأميركي، جو بايدن إلى جنيف، في ختام زيارته الأوروبية الأولى، للقاء خصمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسط توقعات سلبية من الجانبين بأن القمة بينهما لن تُسفر عن النتائج المرجوة أو حتى أنها قد لا تؤسس لمسار ما يساعد على تقريب وجهات النظر في بعض القضايا الخلافية الفرعية، التي يساعد حلها في الحفاظ على خفض مستويات التصعيد بينهما.
على الأرجح أن مناخ المدينة الصيفي لن ينعكس على مناخ القمة الملبدة بمناخات الحرب البادرة، حيث فرضت مواقف الرئيس الأميركي من نظيره الروسي نفسها على طبيعة اللقاء، الذي قد يكون الأسوأ منذ نهاية الحرب الباردة، والقلق الأكبر في أن يدفع فشل اللقاء إلى العودة إلى مناخات الحرب الباردة.
إلى جنيف يحمل الرئيس بايدن كل ما يثير قلق الكرملين، وهذا ما دفع الجانب الروسي إلى خفض مستوى توقعاته إلى درجة صفرية لسببين؛ الأول غياب الكيمياء بين الرئيسين والتي ستؤثر على طبيعة العلاقة بينهما، وهذا ما لم يخفيه جو بايدن في تصريحاته حتى عشية القمة، الذي قال في أكثر من مناسبه “إنه ليس لديه أوهام بشأن بوتين ووصفه بأنه “قاتل” في ضوء سلسلة من الوفيات البارزة بما في ذلك قتل المعارض للكرملين بوريس نيمتسوف”.
أما السبب الثاني فيعود إلى حشد من التهم التي رفعتها الإدارة الأميركية الجديدة بوجه سياسة موسكو الداخلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي أثار حفيظة النخب الروسية التي اعتبرته تدخلا سافرا في شأنها الداخلي، خصوصا في ما يتعلق بقضية المعارض المعتقل الكسي نافالني. فأكثر ما أثار استياء الروس في الآونة الأخيرة تدخل وزارة الخارجية الأميركية في عمل القضاء الروسي، الذي قام بتصنيف 3 منظمات مجتمع مدني تعمل أو تتعامل مع المعارض نافالني منظمات متطرفة. فبعد صدور القرار صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس “إن بلاده تدين قرار تصنيف القضاء الروسي 3 منظمات مرتبطة بـ نافالني متطرفة”.
وقبل أيام من مغادرته إلى جنيف، اختار الرئيس الروسي، من جهته، التركيز على الملف الأخطر بالنسبة للأمن القومي الروسي، وحذر بشكل صارم من ردة فعل بلاده في حال وافق حلف الناتو على انضمام أوكرانيا إليه. وقال بوتين في مقابلة تلفزيونية، الأربعاء الفائت، قال إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو فإن الوقت اللازم لوصول الصواريخ من مناطقها إلى موسكو سيتقلص إلى ما بين 7 و10 دقائق، وتساءل قائلا “ألا يُعدّ ذلك خطًّا أحمر لدينا؟”.
عمليا قبل القمة وضع بوتين خطوطه الحمراء في المجال الإقليمي، خصوصا في مناطق المجال الحيوي السوفياتي أو امتداد روسيا الأورآسيوي، وتخوف بلاده من تعزيز الناتو لبنيته التحتية في أوكرانيا تحديدا، الأمر الذي دفعه إلى انتقاد الدول الأوروبية الذين وفقا لتصريحاته أنهم “حتى في مرحلة العلاقات الجيدة مع روسيا لم يهتموا بمصالح موسكو عند توسيع الحلف شرقا”.
قرار ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو مستبعد في هذه المرحلة، بالرغم من أن قيادة أوكرانيا الحالية أكثر جدية من سابقاتها في طلب الانضمام إلى الناتو، وهي مدعومة بموافقة شعبية بعد استفتاء أجري في مارس، أظهر أن 57% من الأوكرانيين يؤيدون الإنضمام إلى الناتو، في حين يعارض 36% ذلك. إلا إن إثارة بوتين لهذه القضية قبل القمة، يعتبر ضربة استباقية ليس لتنبيه واشنطن من مخاطر هذه الخطوة وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في العالم، بل من أجل استثمار التردد الأميركي الأوروبي أمام الرأي العام الروسي ونخبه، وإظهار قدرة الكرملين على فرض شروطه على جدول أعمال القمة التي قد لا تتجاوز انجازاتها التقاط الصور.
في قمة التقاط الصور، ستحرص واشنطن على إظهار هيمنتها، وتريد أن يحتفظ العالم بالصورة النمطية لكل القمم التي جرت بين البلدين بعد نهاية الحرب الباردة، والتي ستجري مستقبلا، بأن القمم الثنائية ما بين واشنطن وموسكو ليست عودة إلى الثنائية القطيبة، وبأن شراكاتها المتعددة والمتناقضة في بعض الأحيان لا يمكن استغلالها من أجل بناء عالم متعدد الأقطاب، فالأخطر في هذه القمة الشبه صفرية في النتائج الإستراتيجية، أن تتحول منصة من أجل التصويب على سياسات موسكو العالمية بهدف عزلها.