بقلم: صادق ناشر – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يبدو أن الأجواء صارت مهيأة لاختراق جِدّي هذه المرة في ملف الأزمة اليمنية التي تعيش حرباً منذ عام 2014، بعد الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي، وما تلا ذلك من حرب مدمرة شملت المناطق اليمنية كافة.
لم تنقطع المحاولات الإقليمية والدولية منذ بداية الاحتجاجات التي اجتاحت اليمن، مع موجة ما عرف ب”الربيع العربي” عام 2011، وكانت المبادرة الخليجية واحدة منها، والتي أعادت الأوضاع إلى سابق عهدها، لكن مع استمرار الخلافات بين الأطراف الحاكمة والمعارضة في المشهد، ما أدى في نهاية المطاف إلى اشتعال حرب شاملة فقد فيها اليمنيون الكثير من أمنهم وسلامهم الاجتماعي، وتعرضت البلاد إلى كوارث إنسانية لا حصر لها.
وفي حقيقة الأمر، فإن اليمنيين وجدوا أنفسهم بعد عشر سنوات من أزمة الاحتجاجات التي قامت ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يدفعون أثماناً باهظة من أمنهم واستقرارهم، فالحرب قضت على الجانب الاقتصادي لسكان البلاد، البالغ عددهم 30 مليون نسمة، في وقت انقطعت فيه رواتب موظفي الدولة الذين كانوا يعيلون ملايين الأفواه، وفوق ذلك كله انعدمت الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه وصحة وأمن، وغيرها.
اليوم، ومع انطلاق مساع جديدة ترعاها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، تحركت أطراف إقليمية في محاولة لإيجاد مخرج لحالة الجمود التي اتسمت بها الفترة الماضية، حيث حمل وفد من المكتب السلطاني العماني رؤية إلى جماعة الحوثي هدفها تحريك المياه الراكدة في هذا الملف المستعصي على الحل.
الرؤية الجديدة تتمثل في فتح مطار صنعاء أمام الملاحة الدولية، وفتح ميناء الحديدة أمام السفن التجارية، والتهدئة على مختلف جبهات القتال، ومن ثم الذهاب إلى جولة من المفاوضات يفترض أن تكون هذه المرة أكثر جدية من سابقاتها التي تعثرت لأسباب كثيرة.
مع ذلك، فإن هناك من يشكك في جدية بعض الأطراف في الوفاء بالتزاماتها حيال التسوية المقبلة التي تبدو ضرورية لوقف الانهيار الشامل في كل مناحي الحياة، ذلك أن المئات، إن لم يكن الآلاف، من أمراء الحروب الذين استفادوا ويستفيدون من بقاء الحرب، لن يكونوا راضين عن أية تسوية مقبلة، وسيبذلون كل إمكانية لتعطيل الحلول السياسية المقترحة.
من هنا تبدو الضغوط المجتمعية الداخلية والسياسية الخارجية ضرورية لإقناع الجميع بأهمية الجلوس إلى طاولة حوار مشترك يحضر فيها اليمن، وتغيب فيها المصالح السياسية الضيقة، لأن البديل لوقف الحرب يعني المزيد من المعاناة للشعب، أما السياسيون فإنهم في نهاية المطاف سيقبلون بالتسوية، بعد أن تتحقق مطالبهم.
لقد دفع اليمن ثمناً باهظاً من جراء تعنت القوى السياسية المختلفة في عدم تقديم تنازلات جدية في التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب، ويعيد البلاد إلى مربع الأمن والاستقرار، وهذا العنت كانت كلفته كبيرة على البلاد والعباد، وقد آن الأوان لتحقيق سلام ممكن، وأن يعي الجميع أن لا أحد في قدرته الحكم بمفرده، حتى إن تمكن من الحكم بالقوة التي ستضعف ذات يوم، كما ضعفت لدى آخرين من قبلهم.