بقلم: أحمد نظيف – النهار العربي
الشرق اليوم – تعرَّف منظمة “السلام الأزرق” الدولية العاملة في مجال التقليل من النزاعات حول المياه في العالم، دبلوماسية المياه، أنها فن أو ممارسة استخدام المياه كأداة لإدارة العلاقات الدولية. يمكن أن تكون دبلوماسية المياه ثنائية، بين طرفين معنيين، أو تشمل مشاركة طرف ثالث. فعلى مر العصور، نادراً ما تم وسّم المياه باعتبارها السبب المباشر للنزاعات المسلحة، وهناك القليل من الأدلة على حروب المياه الرسمية. ومع ذلك، غالباً ما تقع أحواض المياه العابرة للحدود في مناطق تتميز بالتوترات بين الدول أو النزاعات المسلحة.
قد لا تنشأ النزاعات في شكل مباشر نتيجة لقضايا المياه، ولكن المواجهة المباشرة على المياه واستخدام الموارد المائية كأسلوب للتخويف يمكن أن يؤدي إلى نزاعات على نطاق أوسع. وبالمثل، يؤثر نقص المياه سلباً في السلم والأمن الدوليين. يمكن أن يؤدي الجفاف في منطقة ما إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية في منطقة أخرى، ما يؤدي إلى تفاقم التوترات وإثارة النزاعات.
يمكن للمياه أن تؤثر في شكل أساسي على مشهد العلاقات الداخلية والإقليمية والدولية، وهي تفعل ذلك بالفعل.
أدى النمو السكاني والتصنيع وتوسع مستويات التحضّر في كل أنحاء العالم إلى زيادة الطلب على المياه بما يتجاوز الكميات المتاحة. إلى جانب سوء استغلال المياه والهدر، ترك الطلب المتزايد على المياه أكثر من نصف سكان العالم يواجهون مستويات “مرتفعة للغاية” أو “عالية” من الإجهاد المائي.
مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة والوفاة بفيروس كورونا، يسلط الوباء الضوء على الضرورة الملحة للتصدي لانعدام الأمن المائي المتصاعد في كل أنحاء العالم.
تقترب المدن الكبيرة من استنفاد مواردها المائية. تجنبت جنوب إفريقيا بصعوبة مثل هذا السيناريو “يوم الصفر” في عام 2018، بينما شهدت مدينة تشيناي الهندية جفاف أغلب خزاناتها. من هافانا إلى ساو باولو، تكافح المدن في كل أنحاء أميركا اللاتينية لتوفير إمدادات ثابتة من المياه النظيفة للمواطنين. في غضون ذلك، تتصادم إثيوبيا ومصر والسودان بشأن مشروع سد النيل الأزرق. فيما ستصبح أزمات المياه هذه أكثر شيوعاً نحو التدمير حيث يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الإجهاد المائي الحالي.
مع وجود أكثر من ملياري شخص حول العالم يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة ومضاعفة هذا العدد من دون خدمة الصرف الصحي المدارة بأمان، جعلت الحد من الإجهاد المائي والندرة أولوية العقد الحالي بالنسبة إلى الأمم المتحدة، حيث ستكون أزمات المياه على قائمة واحدة من أعلى خمسة تهديدات للأمن العالمي بسبب تأثير الانتشار الواسع لها، حالها حال الأمن الغذائي والزراعة والصرف الصحي والصحة.
وبالتالي، فإن دبلوماسية المياه – وهي عملية التفاوض بشأن تقاسم المياه المستدامة، والإدارة، وممارسات الحوكمة للموارد العابرة للحدود – أمر حيوي لتعزيز عالم أكثر أمناً بالمياه، والحد من عدم الاستقرار الإقليمي. فلطالما كانت المياه مصدراً للنزاع والتعاون الدوليين. تغطي أحواض المياه العابرة للحدود ما يقرب من نصف مساحة اليابسة في العالم وتتشارك 153 دولة في الأنهار والبحيرات وخزانات المياه الجوفية. بينما من المرجح أن تتعاون الدول أكثر عندما يتعلق الأمر بالموارد المائية المشتركة، حيث تشير بعض الأدلة إلى ارتفاع محتمل مؤخراً في الصراع القائم على المياه. فقد حددت إحدى الدراسات – نشرت في مجلة التغير البيئي العالمي في عام 2018 – خمسة أحواض باعتبارها “النقاط الساخنة” للنزاعات المستقبلية المتعلقة بالمياه وهي: النيل، ونهر الغانج / براهمابوترا، ونهر السند، ونهر دجلة / الفرات، ونهر كولورادو.
يمكن أن تكون دبلوماسية المياه أداة فعالة في تعزيز التعاون بين الدول ذات مصادر المياه المشتركة. إذّ تتطلب آليات اتفاق تقاسم المياه، مثل اجتماعات الإدارة والإخطار المسبق للمشاريع التي قد تؤثر على المياه المشتركة، تواصلاً مستمراً بين الدول. من خلال تسهيل المزيد من الحوار بين الدول على كل المستويات – الحكومية، والصناعة الخاصة، والمجتمع المدني – يمكن لدبلوماسية المياه أن تصوغ اتصالات أعمق بين الناس وبين الخبراء.
إضافة إلى ذلك، يمكن لاتفاقات دبلوماسية المياه أن تكون بمثابة أطر للتفاوض يمكن استخدامها لمعالجة النزاعات المحتملة الأخرى وتكون بمثابة إجراء لبناء الثقة بين الدول، ما يسمح لها بالاستمرار حتى في ظل وجود توترات إقليمية أخرى. على سبيل المثال، ظلت معاهدة مياه نهر السند لعام 1960 بين الهند وباكستان سارية على الرغم من العلاقات المتوترة بين البلدين.
يمكن لدبلوماسية المياه أيضاً أن تدعم التنمية المستدامة والمرونة عبر المجتمعات من خلال دمج أصحاب المصلحة المتعددي المستويات وتطوير ممارسات وتقنيات مستدامة للمياه المشتركة، حيث تتطلب معالجة الإجهاد المائي وتأثيره في شكل مناسب من الدول الاعتراف بالاعتماد المتبادل بين المياه والطاقة والغذاء والإدارة البيئية. حتى أن الأمم المتحدة تربط تحسين التعاون في مجال المياه بتحقيق كل هدف من أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030.
على الرغم من فوائدها ، فإن 40 في المئة من أحواض المياه العابرة للحدود في كل أنحاء العالم تفتقر إلى اتفاقات تقاسم المياه التشغيلية، ولا تزال اتفاقات الخزان الجوفي عبر الحدود الوطنية نادرة. مع تفاقم الإجهاد المائي العالمي، يجب إعطاء الأولوية لتشجيع وتسهيل اتفاقات تقاسم المياه كجزء من أهداف التنمية المستدامة الدولية والمناخ. ومع توقع تفاقم أزمة المياه العالمية، يمكن أن تكون دبلوماسية المياه بمثابة أداة لتعزيز الاستقرار الوطني والإقليمي والتنمية المستدامة. تفتح دبلوماسية المياه الباب أمام تعاون أكبر بين الدول يتجاوز تقاسم المياه. يمكن أن يساعد حوار أصحاب المصلحة المتعددين الذي تم بناؤه من خلال دبلوماسية المياه، المجتمعات على إنشاء أنظمة إدارة وحوكمة دائمة ومستدامة. يمكن للاستثمار في دبلوماسية المياه وتعزيزها الآن أن يخفف الضغط السياسي والبيئي القادم مع تفاقم أزمة المناخ من خلال بناء المرونة داخل المجتمعات وتعزيز نظام التعاون لمواجهة تحديات الغد.