بقلم: حازم الأمين – موقع الحرة
الشرق اليوم- ما يجري اليوم في لبنان هو حرفياً على النحو التالي: يدفع اللبنانيون مما تبقى من ودائعهم المحجوزة في المصارف ثمن ماء وجه ميشال عون. فالأخير هو الرئيس وهو المسؤول الأول عما نحن فيه، وهو قرر مؤخراً أن يشتري الـ”فيول أويل” وأن يدفع ثمنه من احتياطي الودائع في مصرف لبنان. الرئيس لا يريد تسهيل تشكيل حكومة لتتولى مفاوضة الجهات المانحة وتشتري الـ”فيول أويل” بوسيلة أخرى غير ودائعنا، وفي نفس الوقت لا يريد أن تُحسب عليه العتمة في حال انقطعت الكهرباء. نحن نمول هذه المعادلة من ودائعنا. نحن نمول الاستعصاء المذهبي الذي يعيق تشكيل حكومة. لقد انتقلنا من الفشل الناجم عن الفساد وعن المذهبية إلى مرحلة أكثر واقعية في تلقينا الكارثة. فها نحن ندفع من جيوبنا ومن مدخراتنا مباشرة ومن دون وسائط فاتورة استحقت بفعل اقدامنا على انتخاب ميشال عون رئيساً لجمهوريتنا العظيمة!
وبهذا المعنى لا يبدو مذهلاً أن يقول أمين عام حزب الله حسن نصرالله إن حزبه سيستقدم بواخر بنزين من ايران رغماً عن أنف الدولة! إنها جمهوريته، وصحيح أننا ندفع فاتورة الفساد ونحن على أبواب الإفلاس الكامل، إلا أنه يجب ان لا ننسى أنها جمهوريته. هو من جاء بالرئيس، وهو من شكل الحكومة، وهو من أخمد الثورة، وما الذهول الذي صاحب كشفه عن نيته استقدام بواخر النفط، إلا ضرباً من الانفصال عن الحقيقة. الرجل يستورد السلاح، فما هي المفارقة إذا ما استورد نفطاً. وهو يأخذنا إلى حروب في سوريا واليمن والعراق، وهذا أشد فظاعة من استيراده نفطاً معاقباً من قبل أميركا!
يجب أن نكف عن الذهول وأن نعود إلى التأمل بمعادلة أننا أدخرنا لمستقبل أبنائنا، وإذ بالرئيس يقرر أنه سيدفع ثمن الكهرباء من هذه المدخرات! ذاك أنه من غير اللائق أن تسمى عليه العتمة الكاملة. ساعات قليلة من الكهرباء تعيد له بعضاً من ماء الوجه، والخسارة الناجمة عن ساعات الكهرباء ندفعها نحن، ونكون بذلك قد حمينا مستقبل صهر الرئيس، السياسي الشاب والذي استثمر فيه بكل احتياطي ودائعنا، فهل يعقل أن تأتي العتمة المطلقة على وجهه.
ما رماه نصرالله بوجهنا لجهة استقدامه النفط الإيراني رغماً عن أنف الدولة، جديده أنه لم يجد حرجاً في إشهاره، لا بل إنه لاقى تصفيقاً من محبيه. فليكن نفطاً إيرانياً، وسنعود بعدها لشتم الدول التي ستقاطعنا في سياق مقاطعة إيران. نفطاً ايرانياً بالليرة اللبنانية! ولكن السيد لم يفصح لنا عن أي ليرة يتحدث! ليرة المنصة (٣٩٠٠ ليرة مقابل الدولار) أم ليرة المصارف، أي (١٥٠٠ ليرة مقابل الدولار) أم ليرة السوق، أي الليرة الحقيقية، وقد وصلت قيمتها في أعقاب خطاب السيد إلى ١٤٠٠٠ ليرة مقابل الدولار. إنها المهزلة اللبنانية فعلاً، ذاك أننا صرنا بين فكي كماشة يمسكها المرشد الإيراني، وفكها الأول هو سيد المقاومة والإفلاس، وفكها الثاني جنرال الهزيمة والانهيار.
لا سياسة في هذا البلد لكي نستعين فيها لفهم ما يصيبنا. تجمعات مافياوية مرتهنة لقوى خارجية، وعلى ضفافها رجال الفساد من كل الطوائف، حتى صرنا عقدة تقاطعات الفاسدين في كل العالم. أينما وليت وجهك على هذا الكوكب البائس ستجد أثراً لوسيط لبناني يلعب دوراً بين فاسد وفاسد. تجارة الأعضاء في أفريقيا وجدنا أثراً فيها لوسطاء لبنانيين، وبيع جوازات السفر الأوروبية للاجئين من شمال أفريقيا، ومخاطر تبييض الأموال في النظام المصرفي الأوروبي. ليس ميشال عون هو من يتقاطع عنده كل هذا الفساد، إلا أنه تتويج نموذجي لهذه المهمة المنوطة بشخصية اللبناني.
بدأت المأساة اللبنانية بفعل هذا الفساد تأخذ مسارات قاسية. طوابير السيارات أمام محطات البنزين صارت مشهداً مألوفاً في بيروت، وانقطاع الكهرباء صار شأناً عادياً، والدولار إلى مزيد من الارتفاع اليومي. كل هذا لم يحد من رغبة الرئيس في تتويج صهره رئيساً من بعده، وهو في نفس الوقت يلبي رغبة حزب الله في العيش في الفراغ الذي تملؤه خطب نصرالله الرنانة والصادحة في فضاء المواجهة الجوفاء.
العتمة الكاملة ستأتينا قريباً جداً بعد نفاد الودائع، وهي بطريقها إلى النفاد، ولم يبقى منها إلا نحو ١٥ في المئة من قيمتها. ووجه الرئيس لن يضيء لنا شيئاً في ليالينا الحالكة، أما خطب الأمين العام المليئة بالنفط الإيراني فلن تكون ترياقنا في هذه العتمة، فهي ليست أكثر من لعب كلامي في ظل الانهيار الكبير الذي يعيشه سنجق لبنان في دولة الولي الفقيه.