بقلم: ماريا معلوف – سكاي نيوز
الشرق اليوم- منذ أسبوع كامل ورجب طيب أردوغان يتودد كل ساعة بتصريحات مثيرة تجاه الرئيس الأميركي تحمل في مضامينها تحذيرا للولايات المتحدة من خسارة حليف مهم في حال استمرارها باتخاذ قرارات ضد تركيا في إشارة لا تخفى إلى الاعتراف الأميركي بالإبادة الجماعية ضد الأرمن.
بالعودة إلى نهاية العام الماضي كان إعلان العداء للرئيس التركي في أجندة الحملة الانتخابية التي خاضها الرئيس جو بايدن أمرا ظاهرا للعيان لا يحتاج إلى مزيد إيضاح فقد وعد جو بايدن الناخبين بالتدخل الصريح في الشأن الداخلي التركي، حتى وإن كان هذا أمرا يتناقض مع مبادئ العلاقات الدولية المتكافئة فإن بايدن وضعه كمهمة يسعى البيت الأبيض لتحقيقها في إطار برنامج دولي واسع.
وهنا يمكن وصف عداء البيت الأبيض لأردوغان بأنه عداء موروث مارسه الرئيس السابق باراك أوباما، حيث شهدت تركيا في عهده انقلابا عسكريا فاشلا، تم احتواءه في ساعات قليلة أعلنت أنقرة دون تردد عن دور أميركي في دعمه.
بعد أسابيع لهذا العهد الأميركي الجديد تحدث الرئيس جو بايدن مع أردوغان في اتصال هاتفي، بعد جفوة دامت زمنا منذ دخوله البيت الأبيض، ظن البعض إنها تصحيح لمسار علاقات متوترة بين الطرفين، وإبداء نوايا حسنة في تقارب البلدين على قاعدة طي كم الخلافات القائمة.
لكن بايدن فاجأ تركيا والعالم بعد يوم من التواصل مع أردوغان، بإعلان أن “مذابح الأرمن في ظل الإمبراطورية العثمانية عام 1915 تعد إبادة جماعية”، وهو ما يضع تركيا في زاوية حرجة بسبب حدث لم تسقطه أميركا وأوروبا بالتقادم.
خلال هذه الساعات يجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في لقاء ينظر إليه الكثيرون على أنه فرصة لإصلاح الأضرار التي لحقت بعلاقات البلدين، والحليفين ضمن حلف الناتو، خلال السنوات الماضية.
هنا في واشنطن يقول بعض أعضاء الكونغرس إن العلاقات الأميركية التركية مهمة لواشنطن بنفس القدر الذي تهم فيه تركيا، ليس بسبب تكافؤ حجم المصالح المتبادلة فحسب، وإنما أيضا لاعتبارات تتعلق بتشابك دوري البلدين في الشرق الأوسط وتغول إيران، وحتى بسبب العقلية الحاكمة في تركيا لكن يستغرب بعضهم حب الرئيس التركي للاستعراض والدعاية ويقولون إن ذلك قد يجعله يضحي بمصالح تركية وأميركية من أجل التأثير على الرأي العام في بلاده، حتى وإن كانت قراراته غير مفيدة على المدى الطويل، أو حتى ضارة، مثل قراراته الاقتصادية الأخيرة لكنهم يحسمون ان أوراقه لا تكفي للعب الدور الذي يطمح أن تعطيه إياه الولايات المتحدة وبالتالي فإنه يجب على الولايات المتحدة أن تفكر بهذه الجوانب من شخصية أردوغان قبل أن تقرر استراتيجيات الحوار معه”.
هنا تجدر الإشارة إلى أن أردوغان يتمنى ولكنه لا يستطيع تلبية احتياجات الرأي العام التركي المعادي للولايات المتحدة ومغادرة حلف شمال الأطلسي – أو طرد الولايات المتحدة من قاعدة إنجرليك الجوية والا فإنه قد يختفي هذا الحلف.
نعم.. إن تركيا مهمة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة في مواجهة روسيا، كما إنها مهمة لحلف شمالي الأطلسي (الناتو) للسبب ذاته.
كما أن تركيا تمتلك ثاني أكبر جيش منتم إلى الحلف، كما أن موقعها الاستراتيجي والقواعد العسكرية داخل أراضيها تجعل من أهميتها مضاعفة وأردوغان يهرع دائما لروسيا كل ما اهتزت علاقته مع الحلف.
الصحف الأميركية تشير في مقالاتها إلى أن بايدن يجب أن يبدأ في استراتيجية دبلوماسية شاملة تقوم على التبادلات والتنازلات ذات المنفعة المتبادلة من أجل تحقيق الاستقرار في التحالف.
ومن شأن مثل هذه الاستراتيجية أن تكون متسقة مع رواية إدارة بايدن بأن (أميركا عادت) وبالتالي فلا بد ان النزاع الأول الذي يقسم تركيا والولايات المتحدة سيكون هو الصراع في شمال شرق سوريا والشراكة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع القوات الكردية لوحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني لكن يجب على أنقرة أن تفهم أن وجود الولايات المتحدة هو أيضا ضمانة لها بأن لا ينزلق كرد سوريا إلى تحالف مع مجموعة إرهابية بنظر الولايات المتحدة هي حزب العمال الكردستاني”.
وهنا قد يصل النقاش إلى تفاهم تقوم الولايات المتحدة بموجبه بعرض صواريخ باتريوت على تركيا كبديل لصفقة صواريخ إس 400 التي تعاقدت عليها تركيا مع روسيا وسببت الكثير من الجدل والصراع بين أنقرة وعواصم حلف الناتو الأخرى ويمكن أن تعيد واشنطن أنقرة إلى برنامج طائرات F35 الذي توقف بسبب مشكلة الصواريخ الروسية.
أيضا لا شك أن المحادثات ستتطرق إلى موضوع تسليم غولن ذلك إنه وفي حين أن الحكومة التركية لم تقدم للولايات المتحدة أدلة كافية تبرر تسليم غولن، يتردد هنا انه سيتم تشجيع المواطنين الأتراك الذين لديهم شكاوى مع أتباع غولن على رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأميركية، ويمكن لمثل هذه الخطوة أن تثبت فعالية سيادة القانون الأميركي لأردوغان ولرأي الشعب التركي.
وكذلك سيتم النقاش على إيجاد تقارب بين تركيا والسعودية تدعمه الولايات المتحدة حيث يمكن للبلدين أن يعملا معا في ملفات مهمة للجميع مثل ملفات “سوريا والعراق وليبيا وفي كبح جماح جهود إيران لزعزعة الاستقرار.
مجلة “فورين بوليسي” الأميركية نشرت تصورا خاصا لهذا اللقاء المرتقب حيث قالت إن “هناك موضوعات ثنائية تراكمت خلال السنوات الماضية يجب مناقشتها خلال اللقاء وتشمل استحواذ تركيا على نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس 400، بالإضافة إلى جهود أنقرة المقلقة قبل أسابيع لتخفيف رد الفعل داخل الناتو ضد الدكتاتور البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو على القرصنة الجوية التي تمثلت باختطاف ناشط الإنترنت رومان بروتاسيفيتش”.
وتابعت المجلة أن “بايدن بالفعل أظهر كراهيته لأردوغان”، واصفا إياه بـ”المستبد”، كما أن أول مكالمة لبايدن مع أردوغان بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه كانت فقط لإبلاغ الزعيم التركي بقراره التاريخي الاعتراف الأميركي بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915.
اليوم يمكن القول بوضوح أن قواعد اللعبة الجديدة بين أنقرة وواشنطن باتت مفتوحة على خيار واحد تقريبا هو عدم فرض عقوبات أميركية جديدة على تركيا إن هي وافقت على إعادة المستشارين والمدربين العسكريين الروس إلى بلادهم والتعهد بعدم شراء صفقات صواريخ روسية جديدة من طراز إس 400.
اللقاء المرتقب سيتطرق ولا شك إلى الوضع في شرق البحر المتوسط وسوريا وإيران، وكذلك الدور الذي ستؤديه تركيا في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة لكنه قد لا يسفر عن حل المشكلات والخلافات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن التي تولى أهمية كبيرة لملفات حقوق الإنسان والديمقراطية في تركيا.
وحتى لو فتح أردوغان صفحة جديدة مع بايدن، ستظل العلاقات غير متكافئة لأن السياسة الداخلية لتركيا تمر بفترة عصيبة، بالإضافة إلى النهج المتخبط على صعيد السياسة الخارجية ذلك أن أردوغان ينتهز الفرصة الأخيرة كي ينجو من الأزمات التي تنتظره إذا تخلى عنه بايدن الذي ينظر إليه على أنه الملاذ الأخير له حتى يستمر فترة أطول في حكم تركيا برغم قائمة الخلافات بين تركيا وإدارة بايدن والتي تمتد من التوترات في منطقة البحر الأسود والعلاقة مع روسيا ومستقبل سوريا والدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا والوضع في العراق، لا سيما في الشمال الذي يسيطر عليه الأكراد إلى خلافات كثيرة ومتجددة ليس من السهل التوافق على إيجاد حلول لها.