بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – مرة أخرى يستفيق العالم على بلبلة في الفضاء السيبراني مع تعطل العديد من مواقع الإنترنت من بينها مواقع البيت الأبيض والحكومة البريطانية ووسائل إعلام كبرى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، دون أن يصدر تفسير فوري لما حدث، لكن تمت الإشارة إلى أن شركة «فاستلي»، التي تقدم خدمات سحابية، أبلغت عن تعرضها لمشاكل فنية.
ربما لن يعرف الجمهور حقيقة الأسباب، التي ستبقى مثل الحوادث السابقة في مهب التكهنات والفرضيات، ولكن من المؤكد أن هناك عوامل ما أو أطرافاً تعمدت إحداث هذا الخلل المؤقت الذي يتكرر من فترة إلى أخرى، ويترافق عادة مع توتر دبلوماسي عالي النسق بين القوى الفاعلة، أو متزامناً مع لقاء دولي رفيع، وهذه المرة قبيل قمة مجموعة «السبع» واجتماع «تاريخي» لحلف شمال الأطلسي، وآخر بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، دون نسيان الغليان في العلاقات بين واشنطن وبكين بسبب قضايا عديدة، تتعلق بالأمن والاقتصاد، وأيضاً بجائحة كورونا.
ولا شك أن هذه العلاقات تعاني تجاذبات حادة وتخضع لضغوط من الجانبين.
في الأعطال الماضية التي تعرضت لها مؤسسات غربية، كانت تلقى المسؤولية على هجمات إلكترونية واختراقات يجري اتهام روسيا والصين أو جماعات محسوبة عليهما بتنفيذها، دون أن تكون هناك أدلة دامغة تؤكد تلك الاتهامات أو تنفيها، وهو ما يجعل الوضع مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وتبقى المشكلة قائمة من دون حل.
وفي غياب المعالجة قد تتطور الأمور إلى درجات أعلى من الخطورة والتوتر، ولذلك أصبحت الموضوعات المتعلقة بالأمن السيبراني مطروحة في كل الاجتماعات الدولية والقمم. ولم يعد هناك شك في أن الفضاء الرقمي أصبح ميدان الصراع والتنافس بين أطراف مختلفة، ليست بالضرورة من القوى الكبرى أو المعروفة تقليدياً بأنها متقدمة تكنولوجياً. وفي ضوء ذلك نشطت عمليات القرصنة واختراق الحسابات السرية، بما في ذلك المعلومات العسكرية شديدة الحساسية.
ومن الملاحظ على مدى السنوات الماضية أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أكثر من يجأر بالشكوى ويتوعد باتخاذ إجراءات ردع حاسمة، لكن الظاهرة لم تتوقف أو تنحسر، وإنما تزداد شراسة من عملية إلى أخرى.
بالنظر إلى المعطيات الراهنة لا يبدو المستقبل آمناً للجميع في ضوء السباق الجنوني إلى اكتساب التكنولوجيا متناهية الدقة والبرمجيات المتطورة، لاسيما الخبيثة منها، والواضح أن الأمر سيختلط في هذه المعركة التي تنخرط فيها حكومات وعصابات وهواة وتضرب كل المجالات تقريباً برسائل مشفرة.
وقد لا تهدأ هذه المعركة أبداً حتى يتوصل الجميع إلى صيغة متوازنة للتعايش ووضع أطر وقوانين صارمة لضبط الأمن الرقمي.
وحتى الوصول إلى توافق ما، سيظل التحدي قائماً والتهديدات تتوالى. والمشكلة أن التهديد قد لا يأتي من الخارج دائماً، بل من داخل البلد الواحد، ففي هذه الحرب المتشابكة الخيوط تسقط الضحية دون أن يعرف أحد هوية القاتل أو القائم بالجريمة.