الرئيسية / مقالات رأي / ترِكة “بيبي” بثقلها وسلبيّاتها

ترِكة “بيبي” بثقلها وسلبيّاتها

بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي

الشرق اليوم – بقي بنيامين نتنياهو (بيبي) لاعباً فاعلاً ومؤثّراً في الحياة السياسية الإسرائيلية… أو لم يبق كذلك، ستبقى في الواجهة تركة “بيبي” بكل ثقلها وسلبياتها ذات الامتدادين الفلسطيني والإقليمي.
ما يمكن أن يساعد في إبعاد نتنياهو عن الساحة السياسية احتمال خسارته زعامة تكتل الليكود في حال إدانته في قضايا فساد. هذا لا يمنع الاعتراف بأنّه سيصعب التخلّص من تركته.
أمضى “بيبي” اثني عشر عاماً في موقع رئيس الوزراء الذي سبق أن بلغه للمرّة الأولى عام 1996 بعد الهزيمة التي لحقت بشمعون بيريس أمام اليمين الإسرائيلي. ربح الليكود الانتخابات التي أجريت إثر اغتيال إسحق رابين في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995. هزم ليكود حزب العمل وبيريس الذي دفع ثمن أخطاء كثيرة ارتكبها. من بين الأخطاء عدم الذهاب الى صناديق الاقتراع مباشرة بعد اغتيال رابين وانتظار ربيع السنة 1996 للقيام بذلك.
مع صعود اليمين في إسرائيل، أصبح نتنياهو الشخصية الإسرائيلية التي شغلت موقع رئيس الوزراء أكثر من أي شخّصيّة أخرى في تاريخ الدولة منذ قيامها عام 1948. استهدف كلّ ما قام به “بيبي” على الصعيد الفلسطيني إلغاء خيار الدولتين، انطلاقاً من وجهة نظر في غاية التزمّت اعتمدها اليمين الإسرائيلي الذي اعترض أصلاً على اتفاق أوسلو الذي وقّع في أيلول (سبتمبر) 1993 في حديقة البيت الأبيض بين ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، وإسحق رابين برعاية الرئيس بيل كلينتون.

ما هي تركة “بيبي” وعلى ماذا تقوم هذه التركة الثقيلة، ولماذا يصعب التخلّص منها ومن سلبياتها؟

تُختزل تركة “بيبي” بكلمة واحدة هي الاستيطان. تقوم التركة، أوّلاً، على فكرة إلغاء الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة التي تفرض أن يكون له دولة مستقلة “قابلة للحياة” على أرض فلسطين التاريخية. تقوم التركة، ثانياً، على ضمّ جزء من الضفّة الغربيّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، الى إسرائيل. وهذا ما يفسّر حملات الاستيطان في الضفّة وقطع الطريق على إيجاد مساحة كافية من الأرض الخالية من أيّ مستوطنات تصلح لقيام دولة فلسطينية. بكلام أوضح، عمد “بيبي” الى تقطيع أوصال الضفّة الغربيّة عن طريق الاستيطان والطرق التي تربط بين المستوطنات.
لم يكن النهج الذي اعتمده “بيبي” خلال وجوده في موقع رئيس الوزراء جديداً، بمقدار ما أنّه سياسة قديمة اعتمدها اليمين الإسرائيلي من أجل التخلّص من الشعب الفلسطيني. هذه سياسة قصيرة النظر ما لبثت أن ارتدّت على اليمين وعلى بنيامين نتنياهو تحديداً. ارتدّت هذه السياسة على أصحابها بسبب وجود شعب فلسطيني لا يمكن إلغاؤه. في النهاية، كيف يمكن التخلّص من نحو سبعة ملايين ونصف مليون فلسطيني في الداخل الإسرائيلي وغزّة والضفّة الغربيّة؟ هذا ما لم يستطع بنيامين نتنياهو فهمه يوماً.
في خريف عام 1991، انعقد مؤتمر مدريد للسلام برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الذي ما لبث أن انهار مطلع عام 1992. حضر الرئيس جورج بوش الأب وكبار رجالات إدارته، على رأسهم وزير الخارجية جيمس بايكر. حضر أيضاً ميخائيل غورباتشوف الذي كان يمضي أيّامه الأخيرة في الكرملين. كان الأمل كبيراً في أن يسفر مؤتمر مدريد، الذي شاركت فيه إسرائيل بوفد على رأسه إسحق شامير، عن الخروج بتسوية تضع أسساً لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي. ما كان يبعث على الأمل بذلك وجود إدارة أميركيّة جدّية تعرف المنطقة جيّداً تضمّ، إضافة إلى بوش الأب وجيمس بايكر، الجنرال برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي.
جرّت الإدارة الأميركية شامير جرّاً الى مؤتمر مدريد الذي انعقد على أساس مبدأ “الأرض في مقابل السلام” وقرارات الشرعيّة الدولية. كان نتنياهو ناطقاً باسم الوفد الإسرائيلي في مدريد. لكنّه كان قبل ذلك التلميذ النجيب لشامير، الذي ليس سوى شخص متحجّر أسير الدور الذي لعبه كزعيم لأحد التنظيمات الإرهابيّة في مرحلة ما قبل إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948. سُئل شامير وقتذاك عن المفاوضات الدائرة في مدريد، فكان جوابه أننا مستعدون للتفاوض عشر سنين أخرى، لكنّنا سنعمل، في موازاة التفاوض، على إيجاد أمر واقع على الأرض. أي سنستمرّ في بناء المستوطنات.
سار “بيبي” على خطى شامير. فاوض من أجل التفاوض. عمل كل ما يستطيع من أجل خلق أمر واقع على أرض فلسطين، متجاهلاً الشعب الفلسطيني. هذا التجاهل هو الفجوة الرئيسية في تفكير سياسي إسرائيل يتقن المناورة والتكتيك، لكنّه لا يعرف شيئاً عن الفكر الاستراتيجي. استطاع الاستفادة من كلّ الأخطاء الفلسطينية ومن التهديد الذي تشكّله إيران على كل دولة عربيّة، لكنّه لم يستطع في أيّ وقت إدراك أن ثمّة معادلة لا يستطيع تجاوزها. تتمثّل هذه المعادلة في وجود شعب فلسطيني على الخريطة السياسيّة للمنطقة. لا يمكن لشعب موجود على الخريطة السياسية أن يغيب عن الخريطة الجغرافيّة، برغم غياب القيادة الفلسطينية التي تمثّل فعلاً الشعب الفلسطيني.
كانت حرب غزّة الأخيرة التي بدأت بانتفاضة القدس وحيّ الشيخ جرّاح فيها بداية لا نهاية. إنّها بداية التخلّص من التركة الثقيلة لـ”بيبي”، وبداية لتحولات كبيرة في ظلّ ظروف صعبة عنوانها العجز الإسرائيلي عن خلق أمر واقع جديد، يتجاهل شعباً موجوداً على أرضه ولا يريد الخروج منها … برغم هذا العدد الكبير من المستوطنات في الضفّة الغربيّة.
مثل هذه المعادلة البسيطة غابت عن بنيامين نتنياهو الذي لم يفهم يوماً تعقيدات الصراع في المنطقة، والحاجة الى التعاطي مع الأمر الواقع القائم بدل الذهاب الى خلق أمر واقع جديد!

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …