بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يعود مبدأ الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ليواجه السياسة الخارجية لإدارة بايدن، بصورة تدفع إلى النظر إليه بخلاف ما كان عليه في سنوات قليلة ماضية.
وإذا عدنا إلى البداية القريبة، نجد أن زوال الاتحاد السوفييتى عام 1991، قد دعا الرئيس جورج بوش الأب إلى تغيير في المفاهيم السياسية، باعتبار الاستقرار الإقليمي في المنطقة هدفاً لأمريكا، بعد أن زالت أسبابه، حينما كان الصراع على مناطق النفوذ في المنطقة، دافعاً لزعزعة الاستقرار في دول يرى كلاهما أنها مناطق نفوذ أو مصالح للطرف الآخر في الصراع، واستمر هذا المفهوم إلى حد كبير من بوش الأب إلى عهد بيل كلينتون.
لكن الموقف تغير في عهد بوش الابن وباراك أوباما، حينما تبنى كل منهما خطط السيطرة على المنطقة عن طريق تغيير الأنظمة، ونشر الفوضى في دولها.
ثم جاء بايدن ليضم طاقم الفريق المعاون له، مجموعتين إحداهما تدعو للتخلي كلية عن أفكار أوباما وسياساته، والمجموعة الأخرى تؤيد التمسك بخطط أوباما، وهم الذين كانوا شركاء في صياغتها وتنفيذها.
عندئذ بدأت تظهر سواء من المجموعة الأولى، أو من دراسات لمراكز سياسية السلبيات التي عادت على الولايات المتحدة جراء سياسات أوباما، وإن عدم الاستقرار الإقليمي الذي كانت تتصور إدارة أوباما أنه يخدم مصالحها، قد ثبت أنه صار خارج قدرة أمريكا على التحكم فيه، وأن له انعكاسات تلحق الضرر بمصالحها في كافة أنحاء المنطقة، خاصة أن من بين العناصر المحلية التي استخدمتها الولايات المتحدة لزعزعة استقرار دولها، من أفلت زمامها، وتحولت إلى تنظيمات تتحرك بدوافع تخصها، وهي دوافع تدميرية في الأساس، خاصة أن المفهوم الأمريكي لحماية مصالحها المتشعبة في المنطقة، والتي تتضمن قواعد عسكرية، وتعاقدات أمنية، ومصالح تجارية واقتصادية هائلة، كان يرتبط أساساً بتحكم الولايات المتحدة في كافة الخيوط التي تحرك الأحداث في المنطقة، وهو ما لم يعد متوافراً لها. يضاف إلى ذلك ما سمحت به أجواء عدم الاستقرار الإقليمي من دخول أطراف خارجية إلى مناطق أزمات مثلما حدث في أزمة ليبيا، من تدخل روسيا وتركيا، وقبل ذلك توسع التواجد العسكري الروسي في سوريا، وهو ما أثبتت جلسات استماع في الكونجرس أن أوباما كان قد شجع عليه، لحسابات سياسية لديه.
إلى أن وصل جو بايدن إلى الحكم. وكان ما بدأ يتحدث عنه خبراء متخصصون أمريكيون من أن المسؤولين عن السياسة الخارجية في فترات سابقة لم تكن لديهم المعرفة بثقافة وتقاليد وأفكار شعوب منطقة الشرق الأوسط، وأن نتيجة ذلك اتباعهم سياسات كانت تنتهى دائماً إلى الفشل.
عندئذ أتيحت لإدارة بايدن الفرصة للاهتمام بالمعلومات التي تفيدها عن دول المنطقة، وعن ثقافة شعوبها، وهو ما ظهر في الشهور الثلاثة الأخيرة، من فيض معلومات تزودها به جهات متعددة مثل المخابرات المركزية، والإدارات المختصة بوزارة الخارجية، وغيرها من المؤسسات السياسية، إلى أن فاجأتهم الحرب الإسرائيلية على غزة، وأحس البعض خطأ النظر إليها على أنها عمليات عسكرية تتكرر من وقت لآخر، وأن الالتزام بموقف عدم القيام بدور فاعل هذه المرة، سوف يفتح الباب أمام أزمات إقليمية لن تكون في صالح الولايات المتحدة، بعد أن تجاوزت ردود الأفعال مجرد التنديد بما فعلته إسرائيل من عمليات تدميرية في غزة، إلى ظهور ضغوط من أجل العودة إلى المصدر الأساسي لهذه الحروب، وهو الحل السياسي للمشكلة، وليس مجرد اتباع أسلوب التهديد ثم لا شيء بعد ذلك. وأيضاً ما ظهر من تجاوز ردود الفعل لمنطقة الشرق الأوسط، بل وصلت إلى أوروبا وما حدث من إدانات للموقف الإسرائيلي، وعلو أصوات في الكونجرس تدين لأول مرة ما وصفته بالعنصرية الإسرائيلية، وأكثر ما لفت الأنظار إعلان منظمات يهودية أمريكية، شاركت فيها جمعيات الطلاب اليهود في الجامعات الأمريكية، تندد بالتأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل. ويبقى السؤال.. هل تستطيع إدارة بايدن الاستفادة من المعلومات المستجدة عن المنطقة وشعوبها؟
إن أمريكا تحتاج اليوم – ولعلها تدرك ذلك – إلى إعادة نظر في الكثير من مفاهيم السياسة الخارجية، في عالم لم يعد هو نفسه ما كانت تتعامل به معه هذه السياسات.