الرئيسية / مقالات رأي / إيران من “دولة عتبة نوويّة” إلى”دولة نوويّة”

إيران من “دولة عتبة نوويّة” إلى”دولة نوويّة”

بقلم: علي حمادة – النهار العربي

الشرق اليوم- انتهت الأسبوع الماضي الجولة الخامسة من المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، وغداً يتوقع أن تستأنف جولة سادسة في ظل توتر متزايد بين إيران من جهة، و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” والولايات المتحدة من جهة أخرى، وتشوب مناخات أروقة فيينا والعواصم المعنية الكثير من الشكوك في القدرة على التوصل الى اتفاق نهائي قبل حصول الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الثامن عشر من حزيران (يونيو)، أي بعد أقل من تسعة أيام.

كل المؤشرات تدل إلى أن اتفاقاً سريعاً سيكون صعباً للغاية، لا سيما أن كلا من الطرفين الإيراني والأمريكي لا يزال يخفي أوراقه الحقيقية في المفاوضات، ولا يقدم على طرحها على الطاولة، خصوصاً أن المفاوضات الآن تتقاطع مع حملة الانتخابات الرئاسية في إيران التي تحتاج أكثر ما تحتاج الى حصول مشاركة واسعة لكي يقترن خيار الرئيس المقبل بنسبة تصويت مقبولة. والرئيس المقبل هو على الأرجح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي المعتبر مرشح التيار المحافظ المتشدد الذي يحظى بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي والنظام العميق، ويمثل التحالف بين رجال الدين المتشددين والعسكر.

لقد بدا التوتر المتزايد في المواقف بين الأمريكيين والإيرانيين لافتاً في نهاية الجولة الخامسة من المفاوضات التي كان يعتقد أنها ستتميز بحدوث اختراق كبير فيها، على صعيد مسألة رفع العقوبات الأميركية بشقيها المتعلق بالبرنامج النووي والعقوبات الأخرى غير النووية التي تصر طهران على أن ترفع كلياً (التي وضعت خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب). غير أن الواقع جاء مغايراً تماماً، وعاد المفاوضون الى بلادهم من دون أن تصدر مواقف تشير الى تحقيق تقدم ملموس. ولقد جاء كلام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم الاثنين، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي ليلقي بظلال الشك على مدى تقدم المفاوضات حيث قال للمشرعين الأمريكيين: “لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إيران راغبة ومستعدة لفعل اللازم للعودة الى الالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015”.

وتحدث بلينكن بلهجة قلقة عما وصل اليه البرنامج النووي الإيراني، حيث أوضح أن “برنامج إيران النووي يسير بسرعة الى الأمام، وكلما استمر ذلك لفترة أطول تقلص الوقت اللازم لصنع مادة انشطارية، وقد انخفض الآن بحسب التقارير العامة الى بضعة أشهر في أحسن الأحوال، وإذا استمر ذلك فسينخفض الى بضعة أسابيع”. وخلص بلينكن مشككاً بنيات طهران الى القول: “خلافا لمزاعمهم، فإن السلطات الإيرانية تتصرف على نحو مخالف لما قد يعيد الطرفين الى الاتفاق النووي، وهم ما زالوا مترددين ولم يبدوا استعداداً لاتخاذ الخطوات اللازمة للعودة الى الاتفاق النووي”.

بالطبع، جاء الرد الإيراني على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي اتهم إدارة الرئيس جو بايدن بأنها تواصل سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه إيران.

ماذا يعني هذا الكلام قبل يومين من استئناف المفاوضات في جنيف؟ إنه يعني أن التقديرات الأمريكية والغربية تشير الى أن إيران تحولت فعلياً الى ما يسمى بـ”دولة عتبة نووية”، بمعنى أنها صارت قادرة على تصنيع سلاح نووي في مدة زمنية  قليلة نسبياً يمكن أن تصل الى أقل من سنة، كما يمكن أن تختصر الى بضعة أسابيع. وهذا يعني أن إيران نجحت في الوصول الى هدفها النووي، بأن تصبح قادرة على تصنيع سلاح نووي من دون أن يستطيع العالم منعها، وذلك على الرغم من تأكيد طهران أن المرشد الأعلى علي خامنئي قد حرّم دينياً تصنيع قنبلة نووية، فيما واصل النظام جهوده لتطوير القدرات النووية الى حد امتلاك قدرات نووية حاسمة، بدت واضحة من خلال وضع أجهزة طرد مركزية متطورة في الخدمة أخيراً، بما أتاح رفع التخصيب اليورانيوم الى ما يفوق 60 في المئة.

ما تقدم يفيد بأن التقديرات الإسرائيلية كانت صحيحة تماماً في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني الذي لم يتوقف يوماً، والذي بقي على الرغم من كل شيء بنداً أول على جدول أعمال النظام.

واليوم، يقف الأمريكيون والأوروبيون في انتظار أن يسمعوا من الإيرانيين ما يطمئنهم الى مستوى البرنامج النووي، والعودة الى الاتفاق النووي، لكنهم على ما يبدو لا يعرفون ما يجب فعله، في ما إذا طالت مدة التفاوض مع الإيرانيين في فيينا، واستغلت المفاوضات من أجل العمل الفني لتقصير المدة الفاصلة عن أن تصبح إيران دولة نووية بالفعل. أي أن تتمكن من صنع أول قنبلة نووية قبل نهاية العام. بالتالي، ستتغير طبيعة التفاوض معها دراماتيكياً، وخصوصاً بالتزامن مع اكتمال سيطرة التيار المحافظ المتشدد على السلطة التنفيذية بانتخاب إبراهيم رئيسي على رأسها.

والسؤال هنا: “هل يتحول التفاوض بين إيران والمجتمع الدولي من تفاوض مع دولة ذات مشروع نووي، الى تفاوض مع دولة عتبة نووية ثم دولة نووية كاملة الأوصاف؟ وما هي التبعات الدولية والإقليمية لهذا التحول الاستراتيجي الكبير؟ 

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …