بقلم: محمد السلطاني – النهار العربي
الشرق اليوم- أن يعقد “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، و”الحزب الديموقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، أكثر من 10 لقاءات خلال فترة وجيزة، يبدو مؤشراً الى أن تفاهماً عميقاً يجري التحضير له.
لا يفصح الطرفان عن تفاصيل واضحة بشأن ما يدور في تلك الاجتماعات المكثفة، إلا أن عبارة “الشراكة الحقيقية في إدارة الدولة” التي وردت على لسان القيادي الصدري حسن الكعبي، عقب انتهاء الاجتماع الأخير، فتحت المجال أمام التفسيرات، استناداً إلى محاولة تنسيق سابقة بين الطرفين، تعود إلى العام 2013، في ما عُرِف حينها بـ”محور النجف أربيل”، والذي كان يستهدف سحب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي.
يقول النائب الكردي المعارض هوشيار عبدالله إن العدد الدقيق للزيارات المتبادلة بين وفدي “الديموقراطي الكردستاني”، و”التيار الصدري”، هو 14 زيارة، وأن الأول عرض على الأخير، اتفاقاً يتضمن اعتبار الصدر المرجع السیاسي الوحید للقرار الشیعي، مقابل أن یتعامل الصدریون مع مسعود بارزاني بوصفه المرجع السیاسي الوحید للقرار الکردي.
وليس بعيداً من “العرض” الذي لم يتم الإعلان عنه رسمياً، يتداول جمهور الطرفين الحديث عن “خصال مشتركة” لدى الحزبين، من بينها “رمزية قائدي الحزبين، مقتدى الصدر ومسعود بارزاني، وقدرتهما على تحريك الشارع، فضلاً عن الثبات النسبي لأعداد مقاعدهما البرلمانية”، وهو ما يجعل الطريق سالكاً لإمكان إبرام “اتفاق كبير” ومبكر، يحدد ملامح الحكومة المقبلة، ويضمن تحديد رئاستي الوزراء والجمهورية، اللتين درج العرف السياسي العراقي بعد العام 2003، على منحهما للمكونين الشيعي والكردي.
يمكن وصف خطاب “الحزب الديموقراطي الكردستاني”، بأنه “الأكثر صقورية” من بين الأحزاب الكردية، كما أنه الحزب الأكثر تماسكاً في إقليم كردستان العراق، أما التيار الصدري، فإنه يكثف في الآونة الأخيرة محاولاته لتصدر الحصة الشيعية.
بعد 10 أيام من عملية مطار بغداد التي أسفرت عن اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” جمال جعفر (أبو مهدي المهندس)، في كانون الثاني (يناير) 2020، عقد الصدر اجتماعاً “نوعياً” في قم الإيرانية.
ضم الاجتماع عدداً من قادة الفصائل المسلحة التي وجدت نفسها يتيمة بعد تصفية الزعيمين البارزين، وبينما بدت الفرصة مواتية ليستعيد الصدر سيطرته على تلك الفصائل التي سبق أن انشق معظمها عن “التيار الصدري”، إلا أن الاجتماع لم يسفر عن تقدم في هذا الإطار، وبقي الطرفان طرفين.
وأواخر العام 2020، جدد الصدر ما اعتُبِر سعياً لتصدّر “القطبية الشيعية” مطلقاً دعوة الى “ترميم البيت الشيعي”، لكن الدعوة لم تحظَ بتفاعل الأحزاب الشيعية.
ومع تزايد الاجتماعات بين “الكردستاني” و”الصدري”، يحقق إبرام تفاهم مبكر، خطوة تحقق مصلحة مشتركة للطرفين الَلذين يخوضان منافسة محتدمة داخل مكونيهما، حيث يقطع – تفاهم من هذا النوع – الطريق على منافسي “التيار الصدري”، وعلى رأسهم “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، و”ائتلاف النصر” بزعامة حيدر العبادي.
وتمكن حزبا “الحكمة” و”النصر” من التوصل إلى إعلان تحالف جديد، حمل اسم “تحالف قوى الدولة”، في تسمية تستبطن خطاباً مناهضاً لقوى السلاح المتمثلة بالفصائل.
ويُقدّر عدد مقاعد المكون الشيعي في البرلمان العراقي بنحو 177 من أصل 329 مقعداً، ويقول قياديون في التيار الصدري إن التيار عازم على نيل منصب رئيس الوزراء، بعد مضاعفة عدد نوابه في الانتخابات المقبلة من 54 بعد انتخابات العام 2018، إلى 100 مقعد في انتخابات 2021، وهو رقم يبدو مستبعداً لكثير من المراقبين.
واعتمد “التيار” في الانتخابات الماضية على خطاب تصالحي أسفر عن تحالف مع قوى مدنية، من بينها “الحزب الشيوعي”، أُطلق عليه “تحالف سائرون” أما في الانتخابات المقبلة، فقد اعتمد “التيار” تسمية جديدة أكثر وضوحاً هي “الكتلة الصدرية” واشترط مقرب من الصدر أن يكون المُرشح لتلك الكتلة صدرياً قحاً على حد وصفه، خلافاً للتجربة السابقة التي اعتمدت مرشحين تكنوقراط.
وكانت مفردة تكنوقراط من بين أكثر المصطلحات تداولاً خلال حقبة 2014-2018، وما رافقها من احتجاجات عام 2015، تسببت بتعديل وزاري استبدل فيها رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي بعدد من وزرائه الحزبيين آخرين تكنوقراط، وكان زعيم “التيار الصدري” من أشد الداعمين لذلك المسار، إلا أن ملامح الفترة المقبلة – بالنسبة الى “التيار الصدري” وشريكه الكردستاني على الأقل – تشير إلى تراجع خطاب التكنوقراط لمصلحة “تفاهمات الأقطاب”.
ورغم اتساع قواعد القطبين الشعبية، واستعدادهما الكبير للانتخابات المقبلة، والتصريحات المتفائلة بشأن عدد المقاعد المتوقعة، إلا أن ظهور ملامح هذه التفاهمات المبكرة، قد يتسبب بازدياد شريحة الداعين إلى مقاطعة الانتخابات، والذين يعتمدون في دعواهم على فكرة أن نتائج الانتخابات محسومة سلفاً بالاقتراع أو من دونه، ومن جهة أخرى، قد يتسبب انكشاف نوايا الحسم المبكر تلك، بتحفيز بقية القوى السياسية على تنسيق مواقفها للخروج بمعادلة جديدة تقطع الطريق على حكومة الأقطاب المبكرة.