بقلم: إيلي ليك – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- نرجس محمدي، واحدة من أبرز نشطاء حقوق الإنسان، وأكثرهم شجاعة في إيران. وهي التي تصف التصويت الانتخابي المقبل في بلادها بأنه ليس سوى خدعة مصممة بعناية فائقة.
ولقد أبلغتني السيدة نرجس عبر تطبيق “واتساب” من إيران تقول: “لقد أبطل مبدأ الولاية المطلقة للفقيه في بلادنا كافة مبادئ الدستور الإيراني، وعصف بصلاحيات المؤسسات الإيرانية الأخرى، وجعلها بلا تأثير يُذكر. وترسخت السلطة المطلقة بين يدي المرشد الأعلى غير المنتخب من الشعب، فضلاً عن مجلس صيانة الدستور، وهو المعني بفحص ملفات الشخصيات المرشحة لرئاسة البلاد، مع صلاحيات واسعة في إلغاء القوانين والتشريعات التي يقرها المجلس التشريعي الإيراني (البرلمان)”.
وفي محاولة منها للبرهنة على صحة وجهة نظرها وموقفها المتخذ، شرع مجلس صيانة الدستور الإيراني خلال الشهر الماضي، في استبعاد جميع الشخصيات المرشحة لمنصب الرئيس باستثناء 7 مرشحين فقط يخوضون فيما بينهم السباق الانتخابي الرئاسي المقبل. ولقد جلب هذا القرار الاستبدادي العجيب مزيداً من الاستنكار والاستياء بين جموع القادة الإيرانيين حتى من يؤيدون النظام الحاكم في البلاد.
غير أن الانتقادات التي توجهها السيدة نرجس محمدي أعمق من ذلك بكثير. على اعتبارها صحافية مخضرمة منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، كانت تؤيد الرئيس الإيراني الإصلاحي وقتذاك محمد خاتمي. أما الآن، فلقد خلصت إلى حقيقة نهائية تفيد بأن الانتخابات الرئاسية لا تطرح أي فرصة فعلية تُذكر، على سبيل انتقال إيران صوب إقرار الأسس الديمقراطية الحقيقية.
تقول إن المواطنين الإيرانيين كانوا قد صوتوا في الانتخابات الرئاسية السابقة لصالح مرشحين كان بإمكانهم إحداث صدع حقيقي في جدار النظام الإيراني القمعي الحاكم. ذلك الصدع الذي كان من شأنه إحداث فُسحة من التنفس أمام الشعب حتى يتنسم منها عبير الحرية، ويشهد إرساء أسس الديمقراطية، ويفتح المجال أمام إقرار الأنشطة السياسية والعمل المدني. غير أن هذه الاستراتيجية، بكل أسف، بلغت طريقاً مسدودةً في الداخل الإيراني.
يعد الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني أحد صقور التشدد الذين عصفوا تماماً بالإصلاحات التي اعتزم الرئيس الأسبق محمد خاتمي استحداثها على النظام الحاكم الإيراني، وذلك عندما أذن بقمع مظاهرات الطلاب الاحتجاجية لعام 1999. وعلى الرغم من ذلك، وعندما فاز روحاني بمنصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية في عام 2013، كانت الصورة العامة التي خُلعت عليه تعكس حالة موهومة للقائد المعتدل، الذي يملك المقدرة على الانتقال بالبلاد إلى مصاف الدول القومية في المجتمع الدولي. وبدلاً من ذلك، تحولت إيران في عهده إلى أكثر البلدان قمعاً للحريات، تلك الحقيقة التي تعرفها السيدة نرجس محمدي معرفة خاصة. فمنذ أواخر تسعينات القرن الماضي، وهي قيد المطاردة الأمنية، والملاحقة القضائية، ثم التعرض للسجن بسبب أنشطتها المستمرة في العمل الحقوقي. وفي عهد الرئيس حسن روحاني، تفاقمت مأساتها عما كانت عليه، وأمرت السلطات الإيرانية بإغلاق المنظمة المدنية التي ساعدت في تأسيسها: “مركز المدافعين عن حقوق الإنسان”. وعلى مدار الأعوام الستة الماضية، حال النظام الإيراني بينها وبين رؤية أطفالها. ثم صدر القرار بإطلاق سراحها من سجنها بعد مضي أكثر من 8 سنوات من العقوبة المقررة لها بـ10 سنوات داخل سجن “إيفين” سيئ السمعة في إيران. والآن، عادت السيدة نرجس محمدي لتواجه عقوبة جديدة بقضاء 30 شهراً في السجن مع عقوبة بدنية مقدرة بـ80 جلدة.
وترى السيدة نرجس محمدي أن هذه العقوبات الجديدة ليست سوى خطأ جديد من جانب الحكومة الأميركية ضد بلادها. ورغم ذلك، تؤيد السيدة نرجس محمدي فرض العقوبات الفردية على الشخصيات المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان داخل إيران. كما أنها تؤيد الفكرة القائلة بحظر مشاركة تلك الشخصيات في المحافل والفعاليات الدولية، وأضافت تقول إنه حري بالمجتمع الدولي العمل على مقاطعة وإحكام المراقبة على تحركات تلك الشخصيات خارج البلاد.
وفي الأثناء ذاتها، تتخذ السيدة نرجس محمدي موقفاً معارضاً من المجريات الدبلوماسية النووية الراهنة مع الحكومة الإيرانية. وهي ترى أن المحادثات الجارية في فيينا ينبغي أن تركز على قضايا حقوق الإنسان في إيران رفقة الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني سواء بسواء.
وقالت إنه ينبغي على الحكومات الغربية احترام مفهوم الحق الأصيل في تقرير المصير، والسيادة الوطنية الإيرانية بمعانيها ومراميها الحقيقية. ذلك الحق الراسخة أركانه في ميثاق منظمة الأمم المتحدة، والذي يواصل النظام الإيراني الحاكم انتهاكه والعبث به بصورة منهجية تبعث على الأسى، مع مواصلته العصف الحثيث بالبقية الباقية من أدوات الحكم الدستوري في تاريخ هذه الدولة العريقة.
يعود بنا هذا الطرح الحصيف إلى الانتباه لمجريات الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران. فمن الأفضل النظر إليها من زاوية الطرح الإعلامي السياسي الهادف إلى إقناع أصحاب العقليات الساذجة من غير الإيرانيين بأن الاستبداد الثيوقراطي المطلق يمكن أن يحظى بقدر معتبر من الشرعية الديمقراطية في إيران. إن السيدة نرجس محمدي تدرك هذه الحقيقية تمام الإدراك. وهذا هو السبب الحقيقي وراء اعتزامها مقاطعة الانتخابات الرئاسية الإيرانية “الصورية” المقبلة.