الرئيسية / مقالات رأي / مصر والمسؤولية الإقليمية.. بناء سياسة ملء الفراغ

مصر والمسؤولية الإقليمية.. بناء سياسة ملء الفراغ

بقلم: أكرم القصاص – اليوم السابع

الشرق اليوم- مشهد دخول المعدات الهندسية المصرية إلى قطاع غزة هو تعبير عن واقع إقليمي، وخطوة ضمن تحرك بدأته مصر منذ اللحظة الأولى لتفجر الأوضاع فى الأراضى الفسطينية، وبداية شرارة حي الشيخ جراح، ووصول المعدات بهذه السرعة هو وفاء سريع بوعد مصرى، فكانت أولى الدول التي أعلنت عن المساهمة فى الإعمار من خلال الشركات المصرية.

مصر أولى الدول التي بدأت فى التنفيذ، مثلما كانت الأولى فى إعلان تقديم 500 مليون دولار للإعمار، في السابق استغرقت عمليات الإعمار فترات أطول، وكانت تبدأ بعد شهور، لكن الوجود المصري إشارة بدء، الآن، وأيضا إشارة إلى انتهاء خطر تجدد المواجهة، مع التمسك بالسير نحو استعادة الصف الفلسطيني، تمهيدا لبدء إحياء عملية السلام التي تجمدت سنوات.

عملية الإعمار هى خطوة من ضمن موقف شامل متعدد الأوجه منذ اللحظة الأولى، تمثل فى التواصل مع كل الأطراف، وتقديم مبادرة مهدت الأساس لوقف الحرب، وسعت لإقناع الأطراف الفاعلة، والمنظمات الدولية والولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا، والشركاء الدوليين. 

وخلال الحرب، تم فتح معبر رفح واستقبال الجرحى، وإطلاق قوافل المساعدات الغذائية والطبية، وانضمت مؤسسات أخرى ومجتمع أهلى. وبعد نجاح مبادرة مصر، بدأت الشركات المصرية أسرع عملية إعادة إعمار، وتواصلت جهود الدبلوماسية المصرية والوفود الأمنية لتثبيت الهدنة وحل الموضوعات العالقة، وهو ما يبدو أن الإدارة المصرية نجحت فيه بدليل بدء العمل، مع تأكيد واضح على حقوق الفلسطينيين في دولتهم، وهو ما أكده الرئيس السيسي أثناء وجوده فى باريس وأكدته التحركات المصرية. 

هذه النتائج كاشفة عن حجم التأثير الذى أصبحت تمتلكه القاهرة فى المنطقة، فهى نموذج للدولة صاحبة التأثير، القادرة على طرح المبادرات لحل القضايا الإقليمية، من منطلق دور نما على مدى 7 سنوات.

فى عالم السياسة الدولية والإقليمية، لا يجرى تقييم قوة الدولة فقط من قدراتها العسكرية أو المالية، لكن من قدرتها على امتلاك وتوظيف قوتها الشاملة وحجم ما تحوزه من ثقة الأطراف الدولية والإقليمية، بالشكل الذى يضع الدولة فى موازين القوة، ويسمح للأطراف المختلفة باللجوء إليها عند نشوب أى صراع أو خلاف.

مصر دولة تمتلك قدرة لا تستخدمها للتهديد، بل لحماية أمنها القومي وخدمة الاستقرار الإقليمي، والنفوذ لا يأتى فقط بالقوة، ومصر تتصرف من هذا المنطق، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعمل لتقليل التوترات، ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي دائما على تأكيد رفض التدخلات الخارجية فى شؤون الدول، لأنها تتسبب فى تعقيد المشهد السياسي.

الدولة المصرية اتبعت هذه السياسة تجاه ليبيا وباقي الدول التي تعاني من صراعات أو تدخلات، ونجحت فى اجتذاب أصوات أوروبية ودولية لهذه الرؤية من خلال المساعي، وأيضا ما طرحته فى المنتديات والمنظمات الدولية، واليوم يتضح أن الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية تظهر اقتناعا بخطر التدخلات الخارجية فى ليبيا. 

مصر تبنى رؤيتها على معلومات ودراسة لكل الأطراف والقوى والمعلومات، ونجحت فى تمرير صورة أن الاستقرار فى ليبيا يصنعه الليبيون وحدهم، وأنه  يصب في صالح الاستقرار الإقليمي والمتوسطي والعالمي، بعد سنوات تسببت فيها التدخلات الخارجية والحروب بالوكالة في فوضى.

وعلى مدى 7 سنوات، كانت مصر ترسم سياسات خارجية تهدف إلى دعم مصالح الليبيين والشعوب العربية فى الدول التى تعرضت لهزات أفقدتها الاستقرار، وهي سياسات أثمرت صورة تتكون قطعة وراء أخرى، فتقلص بؤر التوتر وتتسع مساعي السياسة، ونظرة على خارطة النقاط الساخنة إقليميا تكفي لتوضيح الفرق بين ما كان قبل 7 سنوات من ارتباك وصراع، وبين المشهد الحالي الذي لم يصل إلى الهدوء التام، لكنه فقد الكثير من عناصر التوتر والصراع، وهناك عمليات سياسية ودبلوماسية جارية في أطراف متعددة.

 لا يمكن لمراقب أن يتجاهل أن التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب لم تتوقف فقط على اعتباره تهديدا محليا، ودائما ما كان الرئيس السيسى يكرر على أسماع المجتمع الدولى أن الإرهاب ليس كذلك، لكنه تهديد إقليمي ودولي، وبعد أن واجهت أوروبا عمليات إرهابية، وجدت برهانا على الرؤية المصرية دفع إلى تكثيف عمليات تصدي الإرهاب. 

لم تتعامل مصر مع الإرهاب محليا فقط، فبجانب الجهد الضخم الذى قدمته القوات المسلحة والشرطة وأجهزة المعلومات فى مواجهة إرهاب مدعوم، تعاملت مؤسسات الدولة مع ملحقات ومراكز تمويله، وهو ما ساهم فى هزيمة داعش وتنظيمات الرايات السوداء. 

تركزت الرؤية المصرية دائما على أن “إعادة الاستقرار للدول والمنطقة أفضل من تصعيد التوتر”، واحتاجت مصر سنوات لإقناع بعض الأطراف الدولية بهذه الرؤية.   

من هنا يمكن تفهم المكانة التى أصبحت مصر تحتلها وسط الإقليم كدولة مؤثرة، تلجأ إليها الأطراف المختلفة لثقتها فى القدرة على التدخل والحل، صحيح أن مصر دائما كانت رقما مهما وفاعلا في كل الأزمنة، لكن الوضع خلال السنوات الأخيرة كان مختلفا، بعد اختلال سياسي إقليمي ودولي، ظهر بعد غزو العراق، وتأكد أكثر بعد مطالب التغيير فى الدول العربية منذ أواخر عام 2010 وما بعدها، وهي أحداث تقاطعت مع تدخلات غير محسوبة من الدول الكبرى ساهمت فى إنتاج اختلالات تصدرتها التنظيمات الإرهابية، مع انسحاب سياسي وعجز عن معرفة طبيعة المنطقة والمجتمعات، فلم تنتج أي نوع من السياقات السياسية، بل أنتجت لاجئين وضحايا.   

مصر تقوم بدور الدولة ذات المسؤولية الإقليمية، من خلال التأثير والقدرة على التدخل فى القضايا الساخنة، وتقديم الحلول والمبادرات وآليات تنفيذها فى فلسطين وليبيا.

هذه الرؤية نجحت فى الكثير من الملفات، وأقنعت أطرافا مختلفة، ونجحت فى ملء فراغ نشأ خلال سنوات الارتباك في ظل انسحاب بعض الدول الكبرى، وهو فراغ خطر يمكن، حال تركه، أن يشعل حربا أوسع وفوضى أعم. 

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …