الرئيسية / مقالات رأي / ثروة أميركا.. والتفاوت العرقي التاريخي

ثروة أميركا.. والتفاوت العرقي التاريخي

بقلم: كاترينا سارايفا – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – يعادل متوسط الثروة التي تجمعها أسر الأميركيين البيض سبعة أمثال متوسط ما تجمعه أسر السود. وقد اتسع التفاوت خلال نصف قرن منذ حركة الحقوق المدنية، رغم موجة من القوانين التي تصدت للتمييز العرقي في العمل وفي الإسكان وفي مجالات اقتصادية أخرى.

وقد شهدت المدن الأميركية العام الماضي موجة من الاحتجاجات دفع إليها قتل الشرطة لمواطنين سود، كان أشهرهم جورج فلويد، مما عزز الوعي بشأن تاريخ ما يصفه أكاديميون بأنه «عنصرية منهجية». ومنذئذ، أيدت مدينتان تقديم تعويضات عن التمييز في الماضي، وأيد الرئيس جو بايدن فكرة دراسة لتعويضات أوسع عن العبودية، وتعهد الاحتياط الاتحادي وعدد من البنوك الخاصة ببذل المزيد لمعالجة عدم المساواة العرقية. وإليكم هنا بعض الأسباب التاريخية للفجوة العرقية في الثروة الأميركية. 

العبودية: بدأت الفجوة مع العبودية التي كانت مصدراً أساسياً لتوليد الثروة للأميركيين البيض. وكانت العبودية هي محرك اقتصاد القطن الذي حقق ثراءً ليس فقط للمزارعين لكن للجميع، من البنوك إلى أصحاب المتاجر وشركات التأمين. وفي عام 2000 توصل الاقتصادي «روبرت إس. براون» إلى أن الدخل المتحقق من العبيد لمالكيهم البيض قبل عام 1860 تراوح بين 1.4 تريليون دولار و4.7 تريليون دولار بسعر الدولار في العصر الحديث. وفي عام 1865، في نهاية الحرب الأهلية التي أنهت العبودية، وُعد العبيد المحررون بالحصول على 40 إكر من الأرض لبناء مستقبل اقتصادي لأنفسهم. لكن الحكومة تراجعت عن الاتفاق وبدأ الأميركيون السود حياتهم بعد الحرب بوفاض خال. وهذه الأرض التي وُعدوا بها كان من المحتمل أن تبلع قيمتها 3.1 تريليون دولار اليوم. 

قوانين الحيازات الزراعية: في الوقت الذي حُرم العبيد المحررون من الحصول على الأراضي التي وعِدوا بها، قدمت الحكومة الأميركية حافزاً لبناء الثروة استفاد منه الأميركيون البيض بشكل كاسح. وكان المراد من قوانين الحيازات الزراعية في ستينيات القرن التاسع عشر مساعدة الأميركيين على الاستقرار في الغرب. ولم يُستبعد السود، لكن لم يكن لدى إلا قلة منهم ما يكفي من الموارد للانتقال إلى الغرب واستصلاح الأراضي وإقامة مزارع. ويُقدر أن نحو 15% من الأميركيين اليوم من نسل المستفيدين من قوانين الحيازات الزراعية الأصليين الذين كان معظمهم من البيض والذين منحوا 27 مليون إكر من الأراضي، أي 10% من مساحة البلاد. 

العنف العنصري: وهذا دمر المقدار الصغير من الثروة الذي استطاعت أسر السود جمعه بعد الحرب الأهلية. ففي عام 1921، حرق الغوغاء وأفراد الشرطة في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما، ما كان يعرف باسم «وول ستريت السود»، وهدموا منازل وأنشطة اقتصادية قُدرت قيمتها بـ200 مليون دولار وشردوا 10 آلاف من السكان السود. ولم يكن هذا إلا أكثر الحوادث شناعة بين حوادث أخرى شنيعة. وعلى سبيل المثال، وقعت نحو 16 مذبحة أخرى مشابهة في عام 1910 وأكثر من 30 مذبحة في عام 1920.

الترميز باللون الأحمر: يعتبر امتلاك منزل من أكثر الوسائل شيوعاً التي يحوز بها الأميركيون ثروة. والطبقة العاملة حصلت على إمكانية الدخول إلى سوق الإسكان الأميركي في ثلاثينيات القرن الماضي، مع ظهور نظام الرهون العقارية بالشكل الحديث ضمن سياسة أوسع لتحقيق الرخاء بعد الكساد الكبير. لكن أسر السود ظلت بعيدة إلى حد كبير عن هذا بسبب سياسة أطلق عليها «الترميز باللون الأحمر». فقد كانت هناك وكالة اتحادية تعرف باسم «شركة قروض ملاك المنازل» تحدد درجات للأحياء بناءً على قائمة معايير تتضمن عرقية وطبقة السكان. والمناطق التي تحصل على أدنى الدرجات تعتبر خطرة في الإقراض ويجري ترميزها باللون الأحمر على الخرائط، مما يصعِّب على السود الحصول على رهون عقارية. والترميز باللون الأحمر أبطله قانون الإسكان العادل عام 1968. لكن مع عرقلة عملية شراء المنازل لعقود قيدت الممارسة فرص أسر السود في بناء ثروة. واليوم هناك 75% من أسر البيض يمتلكون منازل مقارنة مع أقل من نصف أسر السود الذين يملكون منازل. 

العزل في الإسكان: في بداية العقد الأول من القرن العشرين كانت هناك ممارسة شائعة وسط سكان أحياء البيض عرفت باسم التعهد التقييدي الذي يمنع بيع المنازل لأسر السود. وقرر القضاء أن هذا لا يمكن تنفيذه عام 1948، لكن العزل الذي أدى إليه ظل مستمراً لفترة. وأذكى العزل الفجوة في الثروة على عدة أنحاء. فاحتمالات عيش السود في مناطق شديدة الفقر أكثر أربع مرات من البيض. واحتمالات التحاق الأطفال السود بمدارس شديدة الفقر أكثر ست مرات من الأطفال البيض. وهذا يقلص فرص التخرج في المدارس العليا والالتحاق بالجامعات وهي وسائل مهمة لتحسين الدخول المحتملة. وهذا من بين الأسباب التي تجعل الأميركي الأسود يكسب في المتوسط أقل من نظيرة الأبيض على امتداد حياته بنحو 900 ألف دولار، مما يجعل من الصعب عليه مراكمة مدخرات وترك ثروة للورثة. فلم يحصل على ميراث من الأميركيين السود إلا 8% منهم في عام 2016، مقارنة بحصول 26% من البيض على ميراث، وفقاً لمسح حكومي. ومتوسط إرث الأميركي الأسود يعادل 35% من قيمة إرث نظيره الأبيض.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …