بقلم: حمزة عليان – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم- لم يعد تشكيل “حكومة الاختصاصيين” محل اهتمام الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، فهي تتصرف وكأنّ البلد بألف خير، عيونها هذه الأيام شاخصة باتجاه استحقاقات الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة، والمشكلة ليست بتأليف “حكومة إنقاذ” ولا بصلاحيات متنازع عليها فاتفاق الطائف عام 1990 أعاد تنظيم وتوزيع الصلاحيات ونقل السلطة التنفيذية من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء كهيئة جماعية بعد حرب أهلية استمرت أكثر من 15 سنة لكنها بقيت مدار اجتهادات بكيفية تطبيقها على الأرض.
القصة محورها من سيأتي بعد ميشال عون حامل الرقم “13” في سلسلة رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على سدة الحكم بعد الاستقلال، وبما يحمله هذا الرقم من دلالات.
إطلاق أوصاف “الدولة الفاشلة” و”الذهاب إلى جهنم” باتت لغة قديمة، لم تعد تهز شعرة من رؤوس منظومة الطوائف والأحزاب، فقد أخذوا البلد إلى مكان آخر، وتلك المفردات لا تعني شيئا بالنسبة إليهم، وحظوظ “ولي العهد” جبران باسيل بأن يصبح رئيساً هي مثل حلم إبليس في الجنة! بالرغم من الاستماتة “بتلزيمه” مقعد الرئاسة المقبل!
قد يدخل لبنان في فراغ رئاسي وقد لا يتاح للرئيس الحالي فرصة تسليم “الكرسي” إلى سلفه، فصناعة الرئاسة لم تكن “لبنانية خالصة” فهناك على الدوام قوى خارجية لها اليد الطولى في تسمية الرئيس، وهذا أحد السيناريوهات.
الرهان في المرحلة القادمة هو على الانتخابات النيابية المقررة في أبريل 2022 والمعركة الدائرة الآن قائمة على “حصص” الطوائف والقوى السياسية الفاعلة، وعدم خسارتها لمقاعد نيابية موزعة عليها، وإذا ما تمت الانتخابات وفق القانون الحالي القائم على نظام النسبية المتعددة الدوائر فالتغيير المؤمل لن يخرق تركيبة موروثة منذ عهود! وبالتالي لن يسمح هذا القانون بتعديل موازين القوى البرلمانية وستمنى جماعات الضغط والحراك الشعبي والمدني بخيبة أمل كبيرة.
وبحسب المدة الزمنية للرئيس وهي ست سنوات فآخر يوم للرئيس عون 31 أكتوبر 2022، وإلى أن يصل البلد إلى ذاك الموعد ستبقى الصراعات والتحالفات تدور في فلك من سيحكم لبنان، والقراءات السياسية للمشهد اللبناني منذ التحالف الشهير بين حزب الله والتيار الوطني الحر والحاكم (اتفاق كنيسة مار مخايل) والقائمة على قاعدة “نحمي سلاحكم” مقابل أن “تحموا رئاستنا” تفضي إلى المضي قدماً في استحالة الوصول إلى تقديم تنازلات من شأنها انتشال لبنان من المستنقع الذي سقط فيه، فالطريق سيبقى مسدوداً إلى حين انتخاب الرئيس القادم.
أسوأ السيناريوهات أن يبقى موقع الرئاسة شاغراً وهو أمر ليس جديداً وعرفه لبنان لسنوات، الأخطر من ذلك هو أن يكون “الحزب الحاكم” يعيش في أجواء التمديد، وهو ما سيعرض البلاد إلى مخاطر قد تهدد الكيان ومستقبله، فالرئيس بشارة الخوري أسقطه الشارع في الولاية الثانية سنة 1952 ليعقبه حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب تقوم بأعمال الرئيس لمدة ستة أيام، انتخب بعدها كميل شمعون والذي بدوره سعى لولاية ثانية لكن “ثورة 1958” ونزول “المارينز” على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت قلبا الموازين رأسا على عقب.
الواقع من خلال تجربة النموذج اللبناني بإدارة النظام السياسي، أن هذا البلد لا يحكم إلا بالتوافق بين طوائفه والقوى السياسية وفي اللحظة التي تصطدم فيها هذه الطوائف، تذهب البلاد إما إلى حروب أهلية أو فراغ رئاسي، فقد أعقب فترة حكم أمين الجميل حكومتان الأولى عسكرية برئاسة ميشال عون والثانية مدنية برئاسة سليم الحص عام 1988. كذلك حصل أثناء الولاية الثانية للرئيس أميل لحود عندما تولى فؤاد السنيورة أعمال الرئاسة (2007– 2008) وتكررت في أعقاب الرئيس ميشال سليمان عندما أوكلت المهام إلى رئيس الحكومة تمام سلام ولسنتين تقريبا (2014– 2016)، والرئيس الحالي ميشال عون وصل إلى الحكم في أكتوبر 2016 بعد عامين ونصف العام من شغور منصب الرئيس والتعطيل المتواصل للحياة السياسية، وبعد 45 جلسة لمجلس النواب فشل فيها بالتوافق على رئيس جديد.
أنتج لبنان مفهوم “الديمقراطية التوافقية” والتي تستلزم شروطا لتبقى مستدامة، فهذا النموذج أضعف “الهوية الوطنية” وتسبب بحدوث نكبات وأزمات متلاحقة وكان من شأنه تعطيل وظائف الدولة وهو خلل جوهري أصاب هذا النظام منذ ولادته بميثاق 1943.