بقلم: رستم محمود – النهار العربي
الشرق اليوم- في أحدث تقاريره حول الأوضاع الاقتصادية والتنموية والتعليمية في العراق، حذر البنك الدولي من مسار السقوط الذي يسير به البلد، حيث تتراجع نوعية التعليم في كل المراحل وتزداد نسبة الفقر المُدقع التي تمس أكثر من خمسة ملايين مواطن عراقي، وتنكص نسب التنمية الاقتصادية في ظلال تدهور الاستثمارات وسيادة “الفساد المقونن” في كل القطاعات، فيما لا تملك السلطات الحكومية أي رؤية وخطط وبرامج لإعادة تصحيح المسارات التي تحيط بالمشهد العراقي.
التقرير التفصيلي الذي نُشر في 140 صفحة، واطلعت “النهار العربي” عليه، ضمن فصول استقصائية وتحليلية لكل قطاعات الحياة العامة في العراق في مختلف مناطقه، قام به فريق من الباحثين والخبراء العراقيين والدوليين.
تقرير البنك الدولي قدم ارقاماً استثنائية حول تأثيرات تراجع العوائد المالية لتصدير النفط، جراء الاتفاق على تخفيض الإنتاج العالمي، والذي ترافق مع تأثيرات وباء كورونا، اذ انكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 10.7 في المئة، وهو انكماش قد لا يحققه الاقتصاد العراقي خلال خمس سنوات من التنمية المستدامة. ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات الفقر في البلاد إلى ضعفي ما كانت عليه منذ سنوات.
ركز التقرير بكثافة على النفط، باعتباره القطاع الوحيد المُنتج والقادر على إدخال موارد للخزينة العامة، وبما أن هذه السمة من أبرز نقاط ضعف الاقتصاد في هذا البلد، الذي من دون هذا القطاع – بحسب تقرير البنك الدولي – سيكون دولة هشة ومن دون مداخيل، فالعراق يملك فقط مستويات ضعيفة من الرأسمال البشري والمادي غير النفطي، وظروف العمل متدهورة. فالاستثمارات الاقتصادية في العراق خلال العام 2018 بلغت 5.2 في المئة من مجموع الناتج الإجمالي المحلي، مقارنة بنسبة 21 في المئة التي تحققها مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالقطاع النفطي يغذي 98 في المئة من الناتج المحلي في البلاد، والعراق يشبه بإنتاجية قطاعاته غير النفطية الدول ذات الدخول المنخفضة، رغم دخوله العالية.
أستاذة الاقتصاد السياسي العراقية شيماء اللهيبي أعادت هذه النوعية من الاقتصاد العراقي إلى ظروف ومناخات سياسية تحيط بالعراق من كل حدب: “الاقتصاد العراقي هو ضحية عقود من سوء الاستقرار السياسي والأمني، الممتد فعلياً منذ أواخر السبعينات من القرن المنصرم. فالاقتصاد السياسي في العراق يتلهف على الدوام لاستخدام عائدات النفط لخلق شبكات ضخمة من الولاء والارتباط بالحاكمين، الذين يشعرون بأن تنويع الاقتصاد إلى قطاعات غير مركزية، سيمنح مزيداً القوة للأطراف والجهات التي تحاول الفكاك من يدي سُلطة الحُكم المركزية”.
في مراجعة للتقرير السابق الصادر عن المؤسسة نفسها، والذي تضمن مؤشرات تحذيرية واضحة للوصول إلى هذا الواقع، فإن الحكومة العراقية لم تتخذ أية إجراءات واضحة لتجنب حدوث “الكارثة”. فالحكومة العراقية خفضت فقط نسبة الاستثمارات العامة بنسبة 87 في المئة ورافقتها بإجراء تخفيض على قيمة العملة المحلية بنسبة 18.5 في المئة، أي رفع التضخم في البلاد بالنسبة، ومع ذلك بقي العجز في الميزانية العامة 6.4 في المئة، لأن الحكومة العراقية لم تتخذ أية إجراءات لخلق قطاعات إنتاجية وتنموية حقيقية، تستطيع أن تنتشل الاقتصاد العراقي من بؤرة القطاعات الرعوية.
رد الفعل الوحيد الذي صدر عن السلطات العراقية كان عبر البيانات الإعلامية التي صدرت عن مكاتب رئيس الجمهورية والوزراء بعد استقبالهم نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج والوفد المرافق له: “الإصلاحات المالية والهياكل الاقتصادية المرتبطة بما يرفع من كفاءتها، إلى جانب العمل والتنسيق من أجل مكافحة الفساد والحدّ من آثاره، ودعم الاستثمار والقطاع الخاص والاستفادة من الثروة البشرية، وخصوصاً الشباب في عملية بناء اقتصاد متعافٍ مستدام”.
الباحث في علم الاجتماع السياسي في كلية العلوم الإنسانية في جامعة النهرين صهيب الرواي قال في حديث الى “النهار العربي” إن الخطورة الأساسية تكمن في المؤشرات غير المباشرة للأوضاع الاقتصادية/التنموية في العراق، وأشار بالذات إلى رقمين دالين: “يخبرنا التقرير بأن المعدل الوسطي لدراسة الطلاب العراقيين هو 6.9 سنة، في حين أن بلدان الشرق الأوسط على تفاهتها تحقق وسطياً 11.3 سنة للطالب، أي أن الأجيال العراقية الحالية تتلقى العلوم والمعارف أقل مما كانت تتلقاه أجيال الستينات والسبعينات. كذلك يقول التقرير إن الامتحانات المعيارية تُظهر أن الطالب العراقي الذي بعمر 18 سنة، يساوي مستواه الدراسي الطالب الذي درس فقط 4 سنوات، في وقت تقول الامتحانات المعيارية نفسها إن المعدل الوسطي لمنطقة الشرق الأوسط للمؤشر نفسه هو 7.6 سنة. أي أن الطالب العراقي يستنزف على الأقل ثماني سنوات دراسية من أصل 12 سنة يذريها هباء”.
يضيف الراوي: “هناك اقتصاد هش وريعي أنتج تعليماً سيئاً للغاية، وسيبقى هذا الأخير يُنتج اقتصاداً غير ذي قيمة إنتاجية لعقود، مثلما يحدث في كل التجارب العالمية. فالتقرير يقول إن 35 في المئة فقط من أطفال الأسر العراقية الفقيرة تُرسل أطفالها للتعليم الثانوي، بينما ترتفع النسبة إلى 77 في المئة من الأسر الميسورة، فيما يصل الفارق بين الريف والمدينة من حيث نسبة إرسال الطلبة إلى المرحلة الثانوية إلى أكثر من عشرين في المئة، أي أن الفجوة التعليمية والتنموية والاقتصادية تتسع بين مختلف الطبقات العراقية”.