الرئيسية / مقالات رأي / رهان دولي في ليبيا

رهان دولي في ليبيا

افتتاحية صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – الوفود الدولية التي تتوالى على العاصمة الليبية طرابلس، والزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين في حكومة الوحدة الوطنية إلى الخارج، تصبّ كلها في نشاط لا يهدأ لتطبيع الوضع في هذا البلد بشكل سريع ودون منغصات، على الرغم من أن هذا الحراك المتفاعل تتقاطع فيه المصالح وتتضارب، وهو ما يتطلب الكثير من الحذر لتحقيق الهدف المنشود بإحلال السلام وتحقيق المصالحة الشاملة.

طوت ليبيا صفحة الصراعات والقتال المسلح، وترنو إلى هندسة عهدها الجديد عبر المسار السياسي، الذي يشمل إعادة بناء مؤسسات الدولة وحصر السلاح بأيدي الأجهزة الرسمية، وتفكيك الخلافات والأحقاد والضغائن وإنعاش الاقتصاد وإعمار ما دمرته سنوات الحرب. وتحقيق كل هذه الأهداف يتم على مسارين، داخلي وخارجي، ففي المستوى الأول هناك خطوات جادة على مستوى المصالحة الوطنية بتغليب لغة التسامح، ونشر ثقافة التعايش، والالتزام بكل ما يجنّب الليبيين مشاعر الكراهية، عبر دعوة المنابر الإعلامية والدينية والمدارس والجامعات ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر هذه الثقافة وصولاً إلى معالجة أخطاء الماضي وتحصين المجتمع ضد الأحقاد والنزاعات والصراعات. ولضمان تحقيق كل هذه الأهداف، يجب وضع دعائم ثابتة لتوحيد مؤسسات الدولة حتى تكون كاملة الشرعية والنزاهة. ورغم انتقال السلطة من حكومتين سابقتين إلى حكومة واحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ما زالت «المناصب السيادية» محل مفاوضات داخلية بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، وتخص أساساً محافظ المصرف المركزي، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، إضافة إلى رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ورئيس المحكمة العليا والنائب العام. وحسم هذه المناصب والتوافق على المرشحين لها، شرط لا بد منه، لتكون نتائج الاقتراع التاريخي في ديسمبر المقبل شرعية وقابلة للحياة.

على المستوى الخارجي، هناك تواصل عالي المستوى مع الدول المهتمة بالشأن الليبي، ولا يمر يوم دون أن يصدر موقف أو تصريح، وأحدثها تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما استضاف الدبيبة، أن باريس لن تألو جهداً في مساعدة الليبيين سياسياً وأمنياً واقتصادياً وصحياً، ضمن توجّه لإنهاء الأزمة والبدء في جني القطاف. وللولايات المتحدة أيضاً دور ومصالح تدافع عنها، وقد كان لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، خلال زيارته الأخيرة إلى تونس، لقاءات موسعة مع السفير الأمريكي لدى طرابلس ريتشارد نورلاند، وتم استعراض حزمة من القضايا والموضوعات، أهمها توفير أجواء إيجابية للانتخابات وخروج المرتزقة والقوات الأجنبية. وهذه الأهداف تكاد تجمع عليها مختلف الأطراف، منها دول الجوار مثل تونس ومصر والجزائر، التي شرعت عملياً في العودة إلى التعامل الطبيعي مع ليبيا عبر تنشيط الحركة الاقتصادية والسفر والتعاون الاستثماري، والجميع يرى في ليبيا فرصة للمنطقة لإنهاء سنوات العزلة والفوضى والتهديدات الأمنية الفائقة الخطورة.

مؤتمر «برلين 2»، الذي سينعقد في 23 يونيو الجاري، سيبني على كل ما تم إنجازه، وسيطلق إجراءات مشددة ضد كل معرقلي المسيرة باتجاه انتخابات ديسمبر التي لم تعد شأناً ليبيّاً خالصاً، بل رهاناً دولياً لتحقيق السلام وضمان مصالح جميع الأطراف.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …