بقلم: سمير عطا الله – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – قامت المعرفة، في أعظمها وفي أبسطها، على التبادل. جزء ضخم من خلاصات التطور الفكري والعلمي في الغرب، تم من خلال تناول عشرات آلاف الرسائل بين آلاف العلماء من أجل التأريخ لـ«عصر التنوير». استند المؤرخون إلى رسائل كتبها 6 آلاف مفكر.
هذه الكنوز الفكرية كان ألمع أصحابها الفرنسي العجيب فولتير، الذي كتب 1400 رسالة إلى ملوك وملكات وأباطرة وعلماء أوروبا في القرن الثامن عشر. طاردته فرنسا ورحّب به جميع ملوك القارة، وعرض عليه عاهل ألمانيا، فريدريك، الإقامة في ضيافته مدى العمر.
كانت النهضة الأوروبية عبارة عن مجموعة حضارات وثقافات التقت في عصر واحد في قارة واحدة. مجموعة من العباقرة والمفكرين يتدارسون ويتباحثون ويتنافسون في مجموعة من الأفكار بحثاً عن أطر اجتماعية وسياسية تنظِّم حياة الناس على نحو قريب من العدالة والمنطق.
عندما نتحدث عن عصر الإصلاح، أو عصر النهضة، أو العصر التنويري في أوروبا، نقصد أنها العصور التي قامت على رحابة العلم، لا على توتُّر المدفع. الذي بقي ويبقى من ضابط المدفعية، نابليون بونابرت، ليست دقّته في القصف، بل أنه ترك للأمم قانوناً يُعرف باسمه: «قانون نابليون». وما أدّى إلى انهيار الإمبراطورية الروسية ومن بعدها السوفياتية، هو في الحالتين الانغلاق والتقوقع ورفع الأسوار ضد المعرفة.
سوريا التي امتنعت منذ الاستقلال عن تدريس لغة أجنبية، تدرّس الآن اللغتين الفارسية والروسية. لكنّ المعرفة ليست موقفاً سياسياً، وإنما سبيل إلزامي. ولن تخلو الفارسية أو الروسية من فوائد حضارية، لكن في هذه الأيام يبدو أن كل مواطن حول العالم لا يستطيع التفاهم أو التعامل مع المواطن الآخر إلا بالإنجليزية. بما في ذلك الفرنسي أو الألماني أو الإسباني.
قرأت في التعليقات على خطة الأمير محمد بن سلمان التربوية جعل اللغة الإنجليزية إلزامية منذ الصفوف الابتدائية. وإلا كيف سترسل عشرات آلاف الطلاب فيما بعد إلى جامعات العالم، وتراهم يضيعون الوقت في دراسة اللغة قبل البدء في دروس التخصص؟ وقديماً قيل: «العلم في الصِّغَرِ، كالنقش على الحجر».
السر الأهم في ازدهار الدولة الأميركية أنها اجتذبت المواهب من دون التوقف عند هوياتها. الأوروبيون الشرقيون بنوا لها هوليوود، والألمان صنعوا لها القنبلة الذرية، والإنجليز بنوا الجامعات، والجامعات جعلتها تتقدم دول العالم.
سوف تحل الصين محل أميركا في مواقع كثيرة، ليس بينها الثقافة وطرق الحياة. هذه، لا تنقلها إلا اللغة. وحتى إشعار آخر، هناك لغة عالمية واحدة، للتواصل، سواء للأسف أو لحسن الحظ.