الرئيسية / مقالات رأي / المغرب إسبانيا: إيقاظ ايزابيلا والخطابي!

المغرب إسبانيا: إيقاظ ايزابيلا والخطابي!

بقلم: محمد قواص – النهار العربي

الشرق اليوم– قد يندرج الخلاف بين المغرب وألمانيا داخل السياق الطبيعي للتباين الذي يحصل بين الدول لأسباب معينة، ويتبدد بزوال هذه الأسباب. بيد أن اندلاع الخلاف بين المغرب وإسبانيا، أياً كانت حيثياته، ينهل من تاريخ دراماتيكي بين البلدين، فيوقظ جروحاً عتيقة تعود الى قرون لا يمكن لديباجات دبلوماسية القرن الحادي والعشرين أن تتجاوزها.

على هذا، فإن مشهد آلاف المندفعين نحو مدينة سبتة على شواطئ إسبانيا فضح غضباً مغربياً لم يكن بالإمكان إدارته عبر تبادل المواقف والتصريحات. فإذا ما اعتبرت مدريد أن الحدث “اعتداء” دبره المغرب ضد حدود إسبانيا، فإن أصواتاً أسرعت للخروج من الرباط تذكر من يهمه الأمر أن المغرب ليس حارساً لحدود بلدان أخرى.

تكشف صور “تسونامي” اللاجئين في سبتة الذي نقله إعلام العالم أجمع عن حقيقة لطالما تغيب في يوميات العلاقة بين الدول. ولعل الباحثين في شؤون الهجرات البشرية يعرفون أنه لو تُركت دينامية الأمر لبديهياته لشهد العلم “غزوا” بشرياً من بلدان الجنوب نحو الشمال، ذلك أن علوم الديمغرافيا على مدى تاريخ الإنسانية تشرح حركة خطوط تنقل الناس وفق حوافز الوفرة التي تقل هذه الأيام جنوباً وتفيض شمالاً.

والحال إن اتفاقات أبرمتها أوروبا مع دول شمال أفريقيا، أسفرت عن شراكة هذه الدول لمنع تدفق اللاجئين بالشكل الذي نقله الإعلام الدولي باتجاه مدينة سبتة على الشواطئ الإسبانية، وأن سقوط هذه الشراكة يقود آلياً إلى تعميم ذلك المشهد الاستثنائي الأخير وجعله من العاديات. بكلمة أخرى فإن منطق الأمور يقول إنه إذا ما ذهبت دول الشمال، بما في ذلك إسبانيا، إلى عدم أخذ مصالح الدول المتشاطئة بالحسبان فإن الأخيرة غير معنية بأن تكون “حارسة” لحدود الجيران.

رسمياً لا يعترف المغرب بسيادة إسبانيا على سبتة. يعتبرها مع مليلية مدينتين محتلتين من بقايا الاستعمار الاسباني الذي لم ينتهِ. والظاهر أن مدريد لم تتوقع رد فعل مغربي غاضب حيال ما اعتبرته الرباط مساً بسيادتها واعتداء على أبجديات العلاقة بين الدول. فإسبانيا، وهي الدولة التي كانت تستعمر “الصحراء” وتتقاسم مع المغرب حكايات من دم وحروب، تعلم أن التشكيك بسيادة المغرب على هذا “الإقليم” واستقبال زعيم التنظيم الذي يطالب بانفصال الصحراء هو “رجس” لم تسكت عنه الرباط سابقاً ولن تسكت عنه راهناً أو لاحقاً.

ليس في الأمر خطأ بل خطيئة. أدخلت مدريد زعيم “البوليساريو” إبراهيم غالي وهي تعرف أنه يحمل أوراقاً ثبوتية مزورة. استضافته في إسبانيا تحت مسوغ “الأسباب الإنسانية” للاستشفاء من فيروس كورونا وهو المطلوب لدى القضاء الإسباني للتحقيق في تهم تتعلق بـ “التعذيب” وارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”. وبغض النظر عن التهم والسياق القضائي الذي يدين ويبرئ، فإن ما انتهجته إسبانيا لا يمكن إلا أن يكون مخططاً ارتكب عن سابق تصور وتصميم، على نحو لا يجب أن يفاجئ رد فعل المغرب اسبانيا وحكومتها.

والأمر ليس صدفة بل توجه اسباني لانتهاج سياسة واضحة تنكر على المغرب السيادة على الصحراء الغربية إلى درجة أن مدريد لن تشارك هذا العام، كما جرت العادة، في المناورات العسكرية “الأسد الأفريقي 2021” بحضور الولايات المتحدة والتي تجري في المغرب وتضم تسع دول أوروبية وأفريقية. ولئن جاء التبرير الرسمي الإسباني يتحدث عن أسباب تتعلق بالميزانية، كشفت صحافة مدريد أن اسبانيا لا تريد المشاركة في مناورات ستجري مرحلة منها في الصحراء الغربية لتجنب أي اعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. بيد أن رواية الصحافة الإسبانية بددتها مصادر مغربية أكدت أن الرباط هي التي رفضت المشاركة الاسبانية. 

قد تختلف الموالاة والمعارضة في المغرب حول ملفات كثيرة في السياسة الداخلية والخارجية للبلد، لكنها مجمعة على “الوحدة الترابية”، أي على سيادة المغرب التامة على إقليم الصحراء. الأمر لا يحتمل اجتهاداً ولا وجهات نظر على نحو لا يمكن معه تفهم “السقطة” الإسبانية. ولئن تعترف جهات سياسية إسبانية بالخطأ وتنتقده (منها وزير الخارجية الإسباني الأسبق خوسي بيكيه) وتعمد الحكومة إلى إيقاظ محاكمها لاستدعاء غالي ثم التخلص من وجوده في اسبانيا، فإن عبق الأزمة بين البلدين يستدرج سرديات أليمة.

لم تقبل مدريد قراراً اصدرته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أواخر العام الماضي تعترف به الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، ولم تهضم تطور العلاقات اللافت الذي سُجل مذاك بين الرباط وواشنطن. صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي تحاول الموازنة في علاقاتها المغربية والجزائرية، بحيث قد لا تبتعد مدريد عن المزاج الأوروبي العام، إلا أن التاريخ “الصليبي” ثم الاستعماري لإسبانيا في العلاقة مع المغرب يتيح استعادة حكاية سقوط الاندلس وعقائد الملكة الكاثوليكية إيزابيلا ضد المسلمين، كما يعيد في المغرب استعادة ذكرى محمد بن عبد الكريم الخطابي وثورته ضد الاسبان.

تورطت إسبانيا في خطيئة ليس واضحاً ما يقف وراءها. وإذا صح أن في الأمر حسابات سياسية داخلية استغلها حزب “فوكس” اليميني المتطرف، فإن دخول العامل العنصري على خطوط السياسة والدبلوماسية والأمن الخاصة بالعلاقة مع المغرب، أضعف موقف مدريد، وجعل من استنجادها بأوروبا مهزلة لا تليق بدول كبرى ولا تتسق مع قواعد حسن الجوار وأبجدياته.

ترتبط إسبانيا بالمغرب بشراكة اقتصادية تجعلها في الصف الأول. تتحدث التقارير عن وجود آلاف الشركات الإسبانية العاملة في المغرب تشكل نشاطاً اقتصادياً أساسياً يتساءل أصحابه عن الحكمة من تلك الصبيانية التي تقارب بها مدريد شأناً مغربياً بامتياز. تستدرك حكومة اسبانيا ورطتها. تعيد التموضع للتخفيف من وقع الحدث والكلام عن الحاجة المشتركة للتعاون. غير أن مدريد تلقت صفعة بحيث تلعثمت دبلوماسيتها وتعثر خطابها وباتت تحسب بارتباك خسائر الخوض في ثوابت حاضر قد ينفخ رياحاً عاتية في أشرعة تاريخ مثقل بالعصبيات والنفور.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …