بقلم: رفيق خوري – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- لا شيء يرافق البشرية منذ قتل قايين شقيقه هابيل أكثر من السلاح، وكما في معارك التحرير وثورات التحرّر وحروب الغزو، كذلك في التسلط على الأوطان والشعوب، القرار للسلاح.
وحده هوشي منه بين قادة الثورات التحريرية والتحررية قال، “الزمن هو الشرط الذي يجب ربحه لهزيمة العدو”، أما سيغموند فرويد فاعتبر أن “أول من رشق بشتيمة بدل حجر هو صانع الحضارة”.
وليس عبثاً قال المتنبي، “كلما أنبت الزمان قناة * ركّب المرء للقناة سنانا”، ولا بالصدفة غنت أم كلثوم، “والله زمان يا سلاحي”، لكن أسوأ وظيفة للسلاح هي استخدامه باسم الدين، سواء تحت عنوان “العنف المقدس” أو عنوان “الحرب العادلة”.
نحن في هذه الأيام ضحايا الظاهرة الأسوأ، انتحاري يفجر نفسه في معبد أو سوق شعبية موعوداً بالجنة، وفتاوى تبيح قتل النفس وممارسة الإرهاب الوحشي بكل أنواع الأسلحة.
كان هيراقليط يقول، “الحرب أب كل الأشياء”، فالحرب والسلاح من طبائع الأمور في بلدان عدة، بينها اليمن، حيث عدد الأسلحة أكبر من عدد السكان، والحرب أسلوب حياة، والحوثيون يسمون أنفسهم “أنصار الله”، كأن الخالق يحتاج الى أنصار، وكل العالم عباده.
وهؤلاء يمارسون القتل والخطف والإرهاب، ويطلقون الصواريخ والمسيّرات المفخخة ضد المدنيين في السعودية، ومن هنا قول البابا فرنسيس خلال زيارته للعراق، “الإرهاب باسم الدين خيانة للدين”، وقوله في حوار مع دومينيك ويلتون، في كتابه “السياسة والمجتمع”، إن “ممارسة العنف باسم الله خطأ لا يغتفر، لأن الله لا يمكن أن يبرّر العنف الأعمى بأي شكل من الأشكال”، وهو منذ كان أسقفاً في الأرجنتين مع لاهوت الالتفات إلى الفقراء والضعفاء، وضد لاهوت التكفير الذي يبرر القتل.
ماوتسي تونغ الذي قاد الثورة الصينية إلى النصر عام 1949، رسم معادلة واضحة، “السلطة تنبع من فوهة البندقية”. وفي خطاب بموسكو عام 1957 قبل الخلاف مع القادة السوفيات، قال عن الحرب النووية، “إذا حدث الأسوأ ومات نصف سكان العالم فإن النصف الآخر سيبقى، والإمبريالية ستسقط والعالم كله يصبح شيوعياً”.
وكان ذلك فانتازيا لم تستسغها موسكو. كذلك الأمر في أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا، فكاسترو بعث برسالة إلى موسكو جاء فيها، “اضربوا أميركا بالصواريخ ولو دمّر كينيوي كوبا”، وكان تعليق عضو المكتب السياسي وحارس العقيدة ميخائيل سوسلوف هو، “ما هذا الجنون؟”. وانتهت الأزمة بتسوية أميركية – سوفياتية.
ومن الأردن إلى لبنان، حملت فصائل الثورة الفلسطينية مع الشعارات قصة “تقديس” البندقية، ومن ثم انتقل “التقديس” إلى “الكلاشينكوف”، الرشاش الذي اخترعه الضابط السوفياتي كلاشينكوف، فصنع منه تجار الحروب ثروات هائلة، فيما عاش مخترعه على معاش تقاعدي صغير. والعز لدى كل الأطراف في حرب لبنان كان لسلاحين، “الكلاشينكوف” و”أم16″، ومن ثم جاء الدور للصواريخ بعد حرب غزة في أعلى مراحل “التقديس”.
ذلك أن جمهورية رجال الدين التي أنتجتها الثورة تفتقر إلى “القوة الناعمة” التي كانت للاتحاد السوفياتي وثورة أكتوبر، وهي كانت ولا تزال تفاخر بما لديها من صواريخ ومسيّرات، وما توزعه على وكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، مع أن أعداءها يملكون من “القوة الخشنة” ما يتفوق بمراحل على أسلحتها، ومن “القوة الناعمة” ما تصعب مقاومته.
وها هو “حزب الله” يمارس نوعاً من “تقديس” السلاح، ففي البدء كان الشعار هو “السلاح لتحرير الجنوب اللبناني المحتل”، وبعد التحرير عام 2000 صار الشعار “السلاح لتحرير القدس”، وهو عملياً سلاح في خدمة “ولاية الفقيه” واكتمال المشروع الإقليمي الإيراني، لا بل إن المعادلة صارت، الثابت هو السلاح والمتغيّر هو لبنان، ولا شيء من جاذبية “القوة الناعمة”.
كان ستالين من أكثر الحكام استخداماً للإعدام وسلاح الاغتيال ضد رفاقه في الحزب الشيوعي، وبينهم تروتسكي الداعي إلى “الحرب الدائمة” و”الثورة في كل مكان”، عكس نظرية لينين “الثورة في بلد واحد”، لكن ستالين لم يهمل البعد الآخر للإنسان بالقول، “أهم سلاح في ترسانتي هو القاموس، والكتّاب مهندسو الروح الإنسانية”، وليس “تقديس” السلاح سوى مرض خطير يضرب البشرية العاجزة عن التخلص حتى من السلاح النووي.