بقلم: خيرالله حيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم- يدخل العراق هذه الايّام مرحلة جديدة ذات طابع مصيري، نظراً الى انّه يمكن أن تشكّل في المدى القريب منعطفاً في ما يخصّ مستقبل هذا البلد. يختزل المرحلة سؤال واحد: هل هناك جيش وقوى أمنيّة عراقيّة تحتكر السلاح والقرار السياسي، داخلياً وخارجيّاً، أم أنّ البلد سائر في الطريق الإيرانية؟
تعني الطريق الإيرانية أوّل ما تعنيه تحوّل العراق الى جرم يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلامية” لا أكثر، كما صارت حال لبنان في ظلّ “العهد القويّ”، أو مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن… أو مناطق معيّنة في سوريا.
تعني الطريق الإيرانية ثانياً أنّ هذا البلد المهمّ، أي العراق، صار نهائياً تحت سيطرة ميليشيات مذهبيّة تابعة مباشرة لـ”الحرس الثوري” الإيراني تمتلك القرار العراقي.
من ينتصر على من؟ هل تنتصر ميليشيات “الحشد الشعبي” التي تسعى الى تحويل النظام في العراق إلى نسخة عن النظام الإيراني، أم ينجح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إعادة العراق الى العراقيين وجعله يؤدي دوراً متوازناً على الصعيد الإقليمي؟ بكلام أوضح، هل ينتصر العراق وينتصر معه العراقيون ام تنتصر إيران على العراق؟
منذ ما يزيد على سنة، تشكّلت حكومة مصطفى الكاظمي. يتبيّن، من خلال تجارب مرّ بها العراق في الأشهر الـ12 الماضية، أن العراق كان في طريقه الى استعادة توازنه في ظلّ رجلين عاقلين هما رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء الحالي. من المفيد التذكير في كلّ وقت أنّ برهم صالح ومصطفى الكاظمي ليسا معاديين لإيران بمقدار ما أنّهما يسعيان الى دور عراقي وموقع للعراق في اللعبة الإقليميّة في ظلّ توازن ذي بعد تاريخي تلقّى ضربة قويّة عندما سلّمت إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة الى إيران في العام 2003.
سيعني صمود الحكومة العراقية في مواجهة “الحشد الشعبي” الكثير. سيعني ذلك رفض العراق نقل تجربة إيران اليه وتحوّله بطريقة أو بأخرى الى مجرّد تابع في محور معيّن تقوده طهران.
ما يمكن أن يساعد العراق في هذه المرحلة وجود شعب عراقي مصرّ على أن يكون العراق العراق، وإيران إيران. يشمل ذلك الشيعة العرب في العراق. راهنت إيران منذ انتصار الثورة فيها في عام 1979 على أنّ هؤلاء سينحازون اليها على حساب بلدهم ومصلحته. في النهاية، أدرك العراقيون، بأكثريتهم، مع مرور الوقت أمرين. أوّلهما أنّ العراق يجب أن يكون للعراقيين وأنّ ليس لدى إيران ما تقدّمه للعراق.
لعلّ الدليل على أن ليس لدى إيران ما تقدّمه الى الآخرين، خصوصاً في المنطقة العربيّة، الانتقادات التي وجّهها محمود أحمدي نجاد الرئيس السابق للنظام القائم في ضوء رفض مجلس صيانة الدستور ترشّحه للانتخابات الرئاسيّة المقرّر اجراؤها في غضون أسبوعين. ليس رفض ترشيح أحمدي نجاد وعلي لاريجاني للرئاسة سوى دليل على مدى غياب أي نوع من الديموقراطية في “الجمهوريّة الإسلاميّة” من جهة ووجود ديكتاتورية هي ديكتاتورية “المرشد” علي خامنئي الذي لديه مرشّحه إبراهيم رئيسي الذي ينوي فرضه رئيساً من جهة أخرى.
في العام 2007، كان أحمدي نجاد لا يزال رئيساً لإيران. دعته قطر الى المشاركة في قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة التي انعقدت في الدوحة. لم يتردّد الرئيس الإيراني وقتذاك في إعطاء دروس للعرب والخليجيين. بدا من خلال الخطاب الذي القاه والذي شكل برنامج عمل من اثنتي عشرة نقطة أنّه يريد أن يجعل من إيران الدولة السابعة في مجلس التعاون. لم يخل البرنامج من شبه “استدعاء” لعقد قمة سباعية في طهران ومن تأكيد لوجود مشروع إيراني متكامل يضع الأسس لنظام إقليمي جديد.
بالنسبة إلى أحمدي نجاد، الذي غلف المشروع بكلام عن “التآزر والتعاون” و”العلاقات المتكافئة على كل الصعد”، لا بد من إلغاء التأشيرات بما يسمح بـ”التنقل الحر” لمواطني دول مجلس التعاون وإيران و”حرية التملك” للإيرانيين في دول الخليج ولمواطني دول مجلس التعاون في إيران، مشيراً الى أهمية “تنمية السياحة النزيهة والعائلية” بين الدول السبع.
كان لافتاً في كلمة الرئيس الإيراني اعتباره أن هناك “أعداء مشتركين” لإيران ودول مجلس التعاون. لم يذكر أميركا بالاسم وذلك كي لا يثير الدوحة. ولكن بدا واضحاً أنه يشير اليها في شكل خاص. وربما كان أهم ما في الكلمة تجاهل احمدي نجاد لموضوع البرنامج النووي الإيراني والوضع في العراق وإصراره على تسمية الخليج بـ “الخليج الفارسي”.
امتلك الرئيس الإيراني، وقتذاك، ما يكفي من الجرأة لطرح صيغة تكشف نظرة إيران الى دول مجلس التعاون والى العراق نفسه تحديداً ورؤيتها لطبيعة التعاون بين دول المنطقة. رفع سقف التحدي وأراد القول إن إيران قوة اقليمية كبيرة وأن هناك فراغاً اقليمياً تستطيع ملأه. هذا الفراغ ناشئ عما آل اليه العراق. بالنسبة الى أحمدي نجاد، لم يعد في 2007 من عراق بعدما اختلّت الموازنة الإقليمية بسبب الاجتياح الأميركي للبلد.
في 2021 لم يعد في العراق، أقلّه ظاهراً، فراغ يمكن لإيران سدّه، على الرغم من وجود “الحشد الشعبي”. يعود ذلك الى تغيير طرأ على المزاج الشعبي العراقي عموماً والى وجود حكومة عراقيّة تعرف ماذا تريد. إنّ وجود مثل هذه الحكومة يفسّر الهجمة الإيرانية على بغداد التي سيتوجّب عليها أن تثبت قريباً أن لا فراغ في العراق من جهة وأنّه سيصعب أن تحكمه ميليشيات إيرانية اسمها “الحشد الشعبي”، أي “الحرس الثوري” الإيراني، لا أكثر ولا اقلّ…