بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يحاول قائد الانقلاب الثاني في مالي، الجنرال أسيمي جويتا، المناورة على جبهتين من أجل تخفيف حدة الضغوط المحلية والإقليمية والدولية التي تطالبه بإنهاء انقلابه العسكري، واستعادة الحياة الديمقراطية في هذا البلد الذي تهدده مخاطر عدة، ويعيش وضعاً اقتصادياً بالغ الصعوبة.
فمن ناحية، يسعى الجنرال جويتا إلى استمالة حركة المعارضة الرئيسية في البلاد المعروفة باسم «ائتلاف 5 حزيران» إلى جانبه، عبر إسناد منصب رئيس الحكومة الانتقالية إلى أحد مرشحيها، وتستند هذه الخطة إلى قوة المعارضة التي أبداها الائتلاف المعارض لحكم الرئيس المعزول إبراهيم كيتا، وهو يأمل أن ينجح عبر جذب هذه المعارضة إلى جانبه، على الأقل في المدى القصير، بالحصول على الدعم الشعبي والشرعية التي تؤهله للبقاء في السلطة.
وعلى الرغم من أنه لم يتضح حتى الآن موقف مجموعة «ائتلاف 5 حزيران» من عروض المشاركة في السلطة، إلا أن هذه الخطوة، حتى في حال إتمامها، لن تحمي الحكم العسكري الجديد من الوقوع تحت وطأة الضغوط الدولية وتهديدات العقوبات، خاصة من الحكومة الفرنسية التي تعتبر مالي نقطة ارتكاز مهمة في الحرب ضد الإرهاب بمنطقة الساحل، وتحتفظ بقوات وقواعد عسكرية، كما تقدم مساعدات اقتصادية وأمنية لحكومات مالي لدعم اقتصادها واستقرارها السياسي.
وفي أحدث موجة للضغوط الفرنسية، وجّه الرئيس ايمانويل ماكرون، انتقادات حادة جديدة لقادة الانقلاب، واتهمهم بالافتقار للشرعية الديمقراطية في الحكم، فيما لوّح بإمكانية وقف الدعم الاقتصادي والعسكري وسحب القوات الفرنسية من مالي.
وللخروج من هذا المأزق الذي يهدد استمرار الحكم العسكري لجأ الجنرال جويتا إلى التلويح باحتمال استبدال الحليف الفرنسي بتحالف جديد مع روسيا الباحثة عن موطئ قدم في القارة الإفريقية. ولم يتحدث زعيم الانقلاب عن هذا الخيار صراحة، لكنه سمح لتظاهرات باماكو الغاضبة من فرنسا بالتعبير عنه بالإنابة. والرسالة التي يبعثها الحاكم الجديد هنا هي أن خياراته جاهزة في حال مضى الأوروبيون قدماً في تضييق الخناق عليه.
هناك ما يشبه لعبة العصا والجزرة التقليدية من جانب الغرب، كما يلعبها الحاكم الجديد بطريقة معكوسة، لتخفيف الضغط واكتساب الشرعية. فهو علاوة على محاولة استمالة المعارضة بعروض المشاركة في الحكم يطرح نفسه ضامناً للاستقرار في مواجهة دواعي عدم الاستقرار التي تحفزها النزاعات القبلية والاقتتال العرقي، إضافة إلى مركزية القوات المسلحة في الحرب الجارية ضد الإرهاب بمنطقة الساحل.
لكن كل ذلك ليس كافياً لإقناع الشركاء الأوروبيين وتخفيف قلقهم، فعلى الرغم من أن الحاكم الجديد نفّذ انقلابَين في فترة زمنية قصيرة من دون إراقة دماء، أو أعمال عنف واسعة، إلا أن الدول الغربية تشعر بالقلق الشديد من التعطش الشديد الذي يبديه للسيطرة على السلطة، ومقاليد الأمور.
كما أنه قد لا يكون كافياً أيضاً لاكتساب ثقة زعماء «ائتلاف 5 حزيران». فالرجل قد انتزع استقالة طوعية من رئيس سابق، ورئيس انتقالي، ورئيس حكومة انتقالي، بعد احتجازهم ساعات قليلة في قاعدة للجيش.