الرئيسية / مقالات رأي / النيران فوق النيل.. المناورات المصرية – السودانية رسالة في بريد إثيوبيا

النيران فوق النيل.. المناورات المصرية – السودانية رسالة في بريد إثيوبيا

بقلم: محمد حسين أبو الحسن – النهار العربي

الشرق اليوم- أجرت عناصر القوات المسلحة المصرية والسودانية، نهاية الشهر الماضي، مناورات “حماة النيل”، لمدة ستة أيام، براً وجواً وبحراً، في السودان، بهدف تعزيز التعاون العسكري وتوحيد المفاهيم والأساليب ورفع الكفاءة القتالية؛ تعبيراً عن اقتناع الطرفين بضرورة العمل الاستراتيجي المشترك لمواجهة التهديدات، وسط شكوك إثيوبية في أن تكون المناورات محاولة لتخويفها أو سيناريو لحرب خاطفة ضدها، لإصرارها على الملء الثاني لسد النهضة، من دون اكتراث لنداءات دولتي المصب للوصول إلى اتفاق أولاً، بل أعلنت عزمها إقامة 100 سد جديد، بينما وقّعت القاهرة معاهدات عسكرية مع دول المنابع المجاورة لأديس أبابا. هكذا تبدو “مياه النيل” على وشك “الاشتعال”… اشتعال لن يحرق الأطراف المباشرين في المعركة، بل قد يمتد للإقليم والعالم، والأيام القليلة المقبلة حبلى بالمفاجآت!.

“حماة النيل”

تتزامن مناورات “حماة النيل”- وللتسمية دلالة- مع تعثر مفاوضات السد الإثيوبي، وهي ثالث تدريبات من نوعها بعد مناورات “نسور النيل 1 و2″، وتهدف لمواجهة التهديدات المحدقة ضد مصر والسودان، وتوحيد أساليب حماية شعبيهما، في استدعاء للتحالف التاريخي بينهما، والذي يمتد إلى عصور الفراعنة، حيث تحالفوا مع مملكة كوش، في مواجهة الآشوريين عام (746) قبل الميلاد، وصولاً إلى اندماج الدولتين في كيان واحد، خلال المئتي عام الأخيرة، حتى انفصال السودان عام 1956. بيد أن الأمر مختلف هذه المرة، إذ ينسق السودانيون مع المصريين، بعد أن صار الإثيوبيون مهدداً رئيساً للسودان، في حدوده الشرقية ولدولتي المصب معاً في أمنهما المائي، واختيار السودان مسرحاً لمناورات حماة النيل تأهباً لأي حرب مقبلة، مع إثيوبياً، عبر أراضيه؛ فالمناورات تبرز نوعاً من التكامل أو الحلف العسكري بين مصر والسودان، عقب فشل محاولات إثيوبيا للتفريق بينهما من خلال إغراء إحداهما بالتعاون والصد عن الأخرى، بالتناوب. وكان لافتاً المشاركة القوية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع القادة السودانيين، في مؤتمر باريس الأخير، لإسقاط ديون السودان، كما يجري التنسيق بين وزارتي الخارجية في البلدين، لشرح موقفيهما إقليمياً ودوليا حول أزمة السد الإثيوبي؛ بعدما باتت تهديداً وجوديا لشعبيهما، ما بين الموت عطشاً أو غرقا.

لم تترك الدولتان طريقاً للاتفاق سلمياً مع إثيوبيا إلا وسلكتاه بلا جدوى، استهلكتا عشر سنوات من المفاوضات بلا طائل، في ظل الرغبة الإثيوبية المحمومة للسيطرة على النيل الأزرق ورفضها أي اتفاق ملزم. ذبلت الخيارات السياسية للخرطوم والقاهرة، ثم رفعتا الأمر إلى مجلس الأمن فلم يحرك ساكناً؛ حتى أوشكتا تصبحان تحت “رحمة” أديس أبابا، ولأنهما ترفضان التحكم في مصيرهما، تصاعد الحديث عن الخيارات الخشنة.

لحظة حرجة

تعكس مناورات “حماة النيل” بين شمال وادي النيل وجنوبه، ليس فقط ارتفاع مستوى التنسيق السياسي بين الدولتين، بل إنها تضع قواتهما العسكرية جنباً إلى جنب على مشارف إثيوبيا؛ حفاظا على حقوق الأجيال القادمة ودفاعاً عن أمن الحدود واستقرارها، هكذا تتماهى مواقف الخرطوم مع القاهرة، في لحظة تاريخية حرجة وفارقة للمستقبل. وكان لافتاً مدى الحفاوة التي لقيتها القوات المصرية المشاركة في “حماة النيل” في السودان. صرح الفريق عبد الله البشير نائب رئيس الأركان السوداني، قائلاً إن “حماة النيل” له ما بعده، مضيفا أن التدريب ليس معنيا بشيء بعينه، لكننا نقول إننا نستفيد من خبرات الآخرين، لنكون مستعدين للدفاع عن حقوقنا لأبعد الحدود. أما الخبير الاستراتيجي السوداني اللواء أمين إسماعيل، فقال إن المناورات حلقة تكميلية ضمن السيناريوات المتوقعة، بسبب توقف التفاوض حول السد، مبيناً أن هناك خيار التفاوض والتوصل إلى اتفاق، وهناك خيار الحرب الذي لا بد من التجهيز له، عبر المناورات؛ مشدداً على أن تلك المناورات رسالة إلى إثيوبيا أن السودان ومصر جاهزان لأي خيار، وهي أيضا رسالة للمجتمع الدولي الذي إذا لم يتدخل بفعالية فقد تتجه الدولتان إلى أبعد مدى.

في السياق نفسه، أكد الخبير الاستراتيجي السوداني البارز راشد الشيخ أنها المرة الأولى التي تمنح فيها مصر السودان خبراتها العسكرية وتحرص على رفع قدراته بصورة حقيقية، وأضاف أن الحرب المقبلة هي حرب المياه، لافتاً إلى أن النيل عصب الحياة في الدولتين، ولا يمكن التفريط أو التهاون تجاه العدوان الإثيوبي على الأمن المائي لهما. ولا شك في أن ذلك يبرز تحولاً مهما في مواقف الخرطوم نحو الاقتراب من القاهرة… ولعل أطماع اثيوبيا في منطقتي الفشقة الصغرى والكبرى بولاية القضارف السودانية، هي الدافع وراء ذلك إضافة إلى نجاح إثيوبيا في “استغفال” مصر والسودان وقيامها بالملء الأول المنفرد من دون موافقتهما، العام الماضي، بعد أن تهربت أديس أبابا من “اتفاق واشنطن”، وأفشلت مفاوضات الاتحاد الأفريقي، ورفضت أي اتفاق ملزم حول السد، وشرعت في خطوات الملء الثاني بقرار أحادي، كما حشدت 4 آلاف جندي مزودين بالأسلحة الثقيلة على الحدود السودانية، مؤكدة أنه لا يمكن لأي قوة أن تعطل ملء السد.

نذر الحرب

نذر الحرب تلوح في سماء الهضبة الإثيوبية، وقد تصبح مناورات “حماة النيل” شرارتها الأولى، ما لم تطفئ إثيوبيا هواجس مصر والسودان اللتين تتحرقان لاتفاق عادل وملزم حول السد، يحقق مصلحة الجميع، بعيداً من التلويح بالقوة، لكن لو واصلت أديس أبابا غطرستها، وأنجزت الملء الثاني أحادياً، فإن ذلك سيكون “إعلان حرب” على الدولتين؛ تصبح معه إثيوبيا دولة خارجة على القانون الدولي وخارقة للاتفاقات التاريخية ولاتفاق المبادئ عام 2015. ولأن القيادة المصرية أكدت مراراً أن لا تفريط في قطرة واحدة من حصة مصر، ولأن القيادات السودانية تعتبر السد خطراً على الأمن القومي، فإن البلدين مضطران للدفاع عن مصالحهما المائية بكل ما يلزم. وعلى رغم أن المجتمع الدولي لن يقبل بأي توتر أو سيولة أمنية في الإقليم، فقد حذرت الولايات المتحدة من العواقب الوخيمة للخيار العسكري في أزمة السد الإثيوبي، كما أن قوى عربية وإقليمية ودولية تقف في صف إثيوبيا، وربما هذا ما يفسر تعنتها، لذا فإن الانجراف إلى صدام معها قد تكون له ارتدادات سياسية واستراتيجية خطيرة.

وبالرغم من أن الظروف الإقليمية والدولية تصب في الكفة الإثيوبية، فإنه قد لا يبقى في جعبة القاهرة والخرطوم سوى “تجرع السم” بخوض الحرب؛ لأن ذلك سيكون أخف ضرراً من حرمان السودانيين والمصريين من شريان حياتهم أو التلاعب به للابتزاز أو الإكراه لمصلحة أطراف ثالثة. إن القانون الدولي يقف في صف القاهرة والخرطوم، لأن مبادئه تعتبر الحق في البقاء والحفاظ على الذات واجباً لا يجوز التنازل عنه، أو التفريط فيه، وكذلك حق “الدفاع عن النفس” وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 12 من مشروع إعلان حقوق وواجبات الدول عام 1949.

تعاند إثيوبيا قواعد العقل وتدمر فرص التعايش والمصالح المشتركة لشعوب النيل، وفقا لحسابات خاطئة أو عنتريات لا تستند إلى ركائز، فهي تتصرف كأنها قوة عظمى، بينما هي دولة ضعيفة هشة على المستويات كافة، تعيش أوضاعاً أمنية حرجة، وتعاني حروباً أهلية بين قومياتها المتعددة، كما أن إريتريا عدو الأمس وحليف اليوم (الموقت) بدأت تعيد حساباتها إزاء الانخراط في مذابح تيغراي، تحت وطأة الانتقادات الدولية المتوالية، وهذا معناه أن آبي أحمد بإصراره على اختراع عدو خارجي (مصر والسودان)، عبر التعنت في قضية السد، لمنع تمزق اللحمة الإثيوبية، قد يجر الخراب لبلاده، والثمن وجود إثيوبيا نفسها، حال الزج بها في أتون صراع مع جيرانها يرتد عليها انقساماً ودمارا، وربما تكون ضربة البداية باحتلال مصر والسودان منطقة (بني شنقول) المقام عليها السد، وهي منطقة سودانية منحت لإثيوبيا، وفقا لاتفاق 1902، مقابل عدم إقامة منشآت على النيل الأزرق إلا بموافقة السودان، وهو ما خلفته أديس أبابا بإقامة “سد النهضة”. كل موازين القوى تميل بشدة لمصلحة الخرطوم والقاهرة؛ لأن “حماة النيل” لا يمكنهم التهاون في الدفاع عن حياة شعبي وادي النيل، مع أن الحرب لو اشتعلت قد لا تقف عند أسوار القرن الأفريقي، وتتمدد رقعتها إلى قلب أفريقيا والبحر الأحمر وحركة التجارة الدولية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …