بقلم: سميح صعب – صحيفة الهار العربي
الشرق اليوم– على وقع الانسحاب العسكري الأمريكي والأطلسي الجاريين بوتيرتين منتظمتين من أفغانستان، كان لافتاً قبل أيام خبر إقفال السفارة الأسترالية أبوابها في كابول، بينما تستعد سفارات غربية أخرى لحذو حذوها أو التقليل من أعضاء الطاقم الدبلوماسي، وذلك تحسباً لاحتمال سيطرة حركة “طالبان” على العاصمة الأفغانية بعيد اكتمال الانسحاب الغربي في 11 أيلول (سبتمبر) المقبل.
وينسحب القلق الغربي أيضاً على آلاف الموظفين الأفغان في السفارات الغربية الذين يخشون أعمالاً انتقامية من “طالبان”، التي تنظر إليهم على أنهم خونة. وفي هذا السياق، أقر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي بأن “ثمة عدداً كبيراً من الأفغان الذين دعموا الولايات المتحدة والتحالف، وأنهم قد يكونون في خطر”.
ولهذا السبب، حصل أكثر من 18 ألف أفغاني و45 ألفاً من أفراد أسرهم المباشرين على تأشيرات وهاجروا إلى الولايات المتحدة، في إطار برنامج للمترجمين الفوريين وأفراد العمليات الخاصة، والذين جازفوا بالعمل مع الولايات المتحدة. لكن 18 ألف طلب أخرى لا تزال قيد الدراسة.
وتجربة “طالبان” مع البعثات الأجنبية ليست مشجعة. ففي عام 1996، اقتحم مقاتلو الحركة عقب استيلائهم على كابول مباني الأمم المتحدة في العاصمة، وأخرجوا منها نجيب الله آخر رئيس شيوعي للبلاد وقتلوه بعدما عذبوه. وكان نجيب الله يقيم لاجئاً منذ عام 1992، عندما سيطرت الفصائل الأفغانية المدعومة أمريكياً عامذاك على كابول. وعام 1998، اقتحم مقاتلو “طالبان” القنصلية الإيرانية في مدينة مزار الشريف بشمال البلاد وقتلوا عشرة دبلوماسيين إيرانيين.
وصادماً كان ما نقلته صحيفة “التلغراف” اللندنية عن الحكومة البريطانية في معرض الإشارة إلى خفض عدد العاملين في سفارتها في كابول، عندما قالت إنها تأمل ألا تتكرر مأساة سايغون عام 1975، في إشارة إلى إجلاء فوضوي للرعايا الأجانب بواسطة المروحيات عقب سقوط عاصمة فيتنام الجنوبية في قبضة الجيش الفيتنامي الشمالي.
التحركات الغربية توحي بأنه بات من المسلّم به تقريباً، أن الزمن سيدور دورة كاملة وتعود “طالبان” إلى السلطة وتأسيس “إمارة أفغانستان الإسلامية” على غرار ما كان عليه الوضع قبل الغزو الأمريكي في خريف 2001، رداً على هجمات 11 أيلول عامذاك على نيويورك وواشنطن، والتي أدت إلى مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص.
ويغذي هذا الاتجاه المتشائم، أن المباحثات الجارية في الدوحة لتقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية برئاسة أشرف غاني و”طالبان” لا تحقق التقدم المرجو منها، وتالياً تتضاءل احتمالات التوصل إلى اتفاق سياسي يجنب البلاد حرباً أهلية جديدة.
ومثلما تستعد “طالبان” لهجوم شامل، يستعد تحالف الشمال المناوئ لها أيضاً للدفاع عن المناطق التي كانت في حوزته عام 2001، لأنه يدرك مسبقاً أن ليس في وسعه الدفاع عن العاصمة من دون وجود قوات أجنبية على الأرض، فيما الرهان على الجيش الأفغاني في هذه المهمة لا يعوّل عليه كثيراً، برغم إنفاق الغرب مليارات الدولارات على تسليحه وتدريبه.
هل يعني السلوك الغربي إدارة الظهر مجدداً لأفغانستان وتركها تقع بسهولة في أيدي “طالبان”، مع ما سيجره ذلك من وجود لتنظيمات جهادية أخرى، مثل “القاعدة” و”داعش”؟ واستطراداً، يمكن القول إن أفغانستان مرشحة لتكون ملاذاً للجهاديين، كما كانت قبل عام 2001، ما سيطرح تحدياً كبيراً على العالم، من حيث ما سيلي ذلك من تخطيط وتنفيذ لهجمات في دول أخرى.
وتسلط تطورات أفغانستان الضوء على أن عشرين عاماً من الوجود الأمريكي في أفغانستان، لم تنجح في بناء دولة متماسكة وقادرة على التصدي لـ”طالبان” ولغيرها من التنظيمات الجهادية التي تحمل فكراً متطرفاً.
في أوائل التسعينات من القرن الماضي، تخلّت أمريكا عن أفغانستان وتركتها نهباً لحرب أهلية أوصلت “طالبان” إلى الحكم في نهاية المطاف، ومن ثم كانت هجمات 11 أيلول 2001، والآن تنسحب أمريكا وتعود “طالبان” وألف سؤال عن المستقبل يبقى بلا جواب!!!