بقلم: د. نجم عبدالكريم – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم- بعد أن تم الفصل بين الكنيسة والدولة، أي بين السلطتين الدينية والسياسية، للحد من تأثير سيطرة الكنيسة على الدولة، الذي كثيراً ما كان يؤدي إلى نشوب صراعاتٍ بين باباوات روما وحكام وشعوب أوروبا والعالم الذي يدين بالمسيحية… وحُسمت المعركة -في النهاية- لمصلحة الشعوب، ووضعت قوانين ودساتير تُحقق إرادة ورغبات الشعوب، وتؤكد على حرياتها… كان لابد لهذا الحدث أن يكون له انعكاسه على الذين يسعون للإصلاح والتطور في الوطن العربي:
• لمعت في مطلع القرن الماضي أسماء كثيرة تدعو إلى ذلك التطور متأثرةً بالتجربة الأوروبية… أمثال شيبلي شميل، ويعقوب صروف، وفرح أنطوان، ونقولا حداد، وهناك الكثير من الأسماء غير هؤلاء ممن رفعوا شعار “الدين لله والوطن للجميع”، وهذا الشعار أخف وطأةً من “فصل الدين عن الدولة”، وقد يُلاحظ أن الأسماء التي استشهدت بها كلها لمسيحيين، وذلك لا يعني عدم وجود علمانيين من المسلمين، ولكن المسيحيين كانوا أكثر التزاماً بالعلمانية، فقاسم أمين مثلاً كان علمانياً، ولكنه كان يدعو إلى حرية المرأة من منطلقات إسلامية، لأنه يخشى من مواجهة التيارات الإسلامية، ومع ذلك فقد اتُّهم بالكفر والزندقة، وكذلك الحال مع علي عبدالرازق، إذ قوبل بالرفض والتكفير على رسالته “الإسلام وأصول الحكم”، كما كُفر إسماعيل مظهر بسبب دعوته الداروينية، وكذلك تم التصدي لدعوة الدكتور فؤاد زكريا إلى التفكير العلمي.
***
• هناك من العرب من بدأ حياته علمانياً، لكنه مع تُقدم السن أخذ يتراجع عن علمانيته، معتبراً أن الإسلام يحمل أسس العلمانية، وكثُر الاستشهاد بحديث “أنتم أدرى بشؤون دنياكم”، بل إن المفكر حسن حنفي يعتبر الإسلام ديناً علمانياً في جوهره، ومن ثم لا حاجة له لعلمانية مستمدة من الحضارة الغربية.
ويفصل ذلك بالقول: “إنما تخلُّفنا عن الآخر هو الذي حول الإسلام إلى كهنوت وسلطة دينية ومراسم وشعائر وطقوس وعقوبات وحدود، حتى زهق الناس واتجهوا نحو العلمانية الغربية بما تمثله من عقلانية وليبرالية وديمقراطية وتقدم… فالعيب فينا وليس في غيرنا، وفي تقليدنا للغير وليس في إبداعنا الذاتي”.
***
وكلمة علماني تُطلق الآن على الإنسان في بعض البلدان العربية، كتهمةٍ تدل على كُفره وعدم إيمانه بالدين، مع أن العلمانية الحقيقية هي التي تُجسد العدالة، والمساواة، وحقوق الإنسان، وهذه التعاليم كلها مستمدة من جوهر تعاليم الأديان السماوية.