بقلم: طلال صالح بنان – صحيفة عكاظ
الشرق اليوم- تُرى أين كان النظام الدولي، ولماذ لم تتدخل مؤسساته الأممية وفعالياته المتحكمة في سلوكه، لتدارك الأمر قبل أن يحدث والحؤول دون التصعيد حتى أعيا المعتدي عدوانه وقَبِلَ، بل طلب وقف إطلاق النار، دون أن يحقق أياً من أهدافه.. أو ينال من قدرة غزة على مواصلة القتال.
بداية: النظام الدولي لم ينظر إلى الأزمة على أنها تطور خطير ينال من استقرار العالم. استقرار النظام الدولي إستراتيجياً مهم لتوازنات حركة الصراع بين القوى العظمى على مكانة الهيمنة الكونية. لم تر هذه الفعاليات الدولية العظمى حاجة للتدخل، لطمأنتها التي تصل إلى مستوى الثقة المفرطة، أن المعركة لن تمتد إلى مناطق أخرى، وأن أحد أطراف الصراع («إسرائيل») قادرٌ على حسمها، وربما للأبد!
ثم إن النظام الدولي عادة ما يتدخل سريعاً عند اندلاع أعمال عنف بين دول، ترتبط بفعاليات مهمة في النظام الدولي، كما حدث في كثيرٍ من الحروب الإقليمية المحدودة في عهد الحرب الباردة، وحتى بعد ذلك. أما العدوان على غزة فقد كان يُنْظر إليه، من بعض الدول الكبرى، على أنه دفاع مشروع عن النفس لدولة عضو في الأمم المتحدة، في مواجهة ما يزعمونه جماعات «إرهابية»!
رغم ذلك استفزت أعمال العنف غير المبررة ضد الفلسطينيين في غزة النظر إلى الجانب الإنساني المعتم، في هذه المواجهة العنيفة. لقد أحال القصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي والصاروخي غزة إلى جحيم مستعر، اكتوى بناره الحجر والشجر والبشر.
مجلس الأمن، بسبب الولايات المتحدة، تلكأ حتى عن إصدار بيان بوقف إطلاق النار. لقد حاولت واشنطن للنهاية إعطاء فرصة لـ«إسرائيل»، لحسم المعركة.. لم تتحرك على الأرض، إلا بعد وقف إطلاق النار. حينها ركزت إدارة الرئيس بايدن الحديث عن البعد الإنساني للأزمة، بالدعوة إلى إعادة إعمار غزة، مع المرور على استحياء بالبعد السياسي، عن طريق تأكيد الالتزام بحل الدولتين، الذي لم تعمل شيئا لتنفيذه، منذ أن أعلن الرئيس جورج بوش الابن في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، ممهورة بإمضائه في ١٩ سبتمبر ٢٠٠٢، عن التزام الولايات المتحدة بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة.
نفس الغلطة يرتكبها النظام الدولي وفعالياته المؤثرة بتجاهل البعد السياسي والإستراتيجي للأزمة.. والتركيز على الجانب الإنساني.. وتجاهل الطرف الرئيس فيها، الذي أثبت أن لن يتخلى عن قضيته العادلة ويمتلك من أدوات الردع العنيفة، التي تمكنه من مواصلة القتال، رغم الحصار.. والتضييق، والتشهير بزعم الإرهاب.
الفلسطينيون لم يثقوا يوماً في النظام الدولي، ولا في فعالياته العظمى المؤثرة… كما أنهم لا يحتاجون لمساعداته النابعة من عقدة الذنب لديهم، بعد ثبوت موت ضمائرهم.. ونفاقهم السياسي، وتحيزهم العنصري. الفلسطينيون عرفوا الطريق الصحيح، رغم وعورته وخطورة المضي فيه.. وارتفاع تكلفته الباهظة، دماً وموارد ومعاناة… ثقةً بالنصر.. وتحرير الأرض، باسترجاع الوطن من العدو العنصري الغاصب.