الشرق اليوم- ضاق العراقيون ذرعاً بما آلت إليه أحوالهم وأحوال بلدهم. لم يعد بمقدورهم تحمل أعباء صارت فوق تحمل البشر. فمن غزو أمريكي – بريطاني لبلدهم قبل 18 عاماً، إلى فظائع ارتكبتها قوات الاحتلال بحق العراقيين في كل مناطق وجودها، وفي سجونها (سجن أبو غريب مثالاً)، إلى دستور مزور، أمر بوضعه الحاكم الأمريكي آنذاك بول بريمر، ملغوم بالمحاصصة الطائفية والمذهبية، لم يكتبه العراقيون، ولم يناقشوه وصوتوا عليه من دون أن يعرفوا مضمونه، إلى إرهاب خرج من قمقم القرون الوسطى محملاً بكل ما يسيء إلى دين وقيم وإنسانية، وارتكب من الجرائم ما لم ترتكبه الوحوش والضواري، إلى أحقاد وضغائن ضربت عصب المجتمع العراقي، وهددت بتفتيته ووحدته الوطنية، إلى فساد استشرى كالنار في الهشيم من أعلى الهرم إلى قاعه، حيث تم نهب العراق، وحرمان العراقيين من ثروات بلادهم وما تمور به أرضهم من خيرات، حيث يقدر ما تم تهريبه من العراق منذ سقوط نظام صدام حسين أكثر من 150 مليار دولار، وفق الرئيس العراقي برهم صالح، وما زال الفساد والنهب على أشده.
كان الرهان، أن تؤدي هزيمة الإرهاب إلى قيام عراق جديد، يخلق حالة من الوعي بمثالب السنوات التي أدت إلى الاحتلال وما بعده، والمباشرة في تصحيح المسار، بقيام العراق الديمقراطي الحقيقي، عراق الوطن والمواطن، حيث تسود العدالة والمساواة والحرية، ويمسح عن وجهه كل آثار الطائفية المقيتة، ويبدأ معركة ضد الفساد ونهب المال العام، لكن ما حصل أن الأحزاب الطائفية وبعض ميليشيات الحشد الشعبي استأسدت، ورأت أن هناك فرصة لتكريس وضع يمكن أن تواصل فيه مسيرة السطو، وخلق كيانات موازية للسلطة السياسية والأمنية، ما أدى إلى ما نشهده حالياً من صراعات بين أغلبية شعبية تحركت طلباً لاسترداد حقوقها، وهذه الكيانات الموبوءة بالطائفية والفساد.
المعركة من أجل استرداد حقوق العراقيين متواصلة في بغداد ومختلف المناطق العراقية وخصوصاً في الجنوب، والحراك الشعبي تجاوز معركة الترهيب والتخويف، وهو ماض في مسيرة المواجهة رغم ما يتعرض له من قتل واغتيالات.
وإذ ترى حكومة مصطفى الكاظمي بأنها تمثل هذا الحراك، وتحمل همومه ومطالبه، فإنها تجد أمامها جبالاً من العوائق السياسية والأمنية تجعلها غير قادرة على تنفيذ ما تعهدت به.
العراقيون يريدون عراقاً جديداً، يشبههم، لأن العراق الحالي لا علاقة لهم به. يريدون حكومة نظيفة وجيلاً جديداً من الساسة يمثلهم، يقومون هم باختياره من خلال قانون انتخابي جديد لا طائفي، بحيث يكون يوم العاشر من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو موعد الانتخابات، هو يوم التغيير المنتظر، شرط أن تكون انتخابات نزيهة وشفافة وخارج سطوة الأحزاب الطائفية وتحت إشراف بعثة الأمم المتحدة (يونامي)، استجابة لطلب الحكومة العراقية.
هذا هو العراق المنتظر.. فهل تقوم قيامته؟
المصدر: صحيفة الخليج